الباحث القرآني

﴿واتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِن بَعْدِهِ﴾؛ أيْ: مِن بَعْدِ ذَهابِهِ إلى الطُّورِ. ﴿مِن حُلِيِّهِمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِاتَّخَذَ، كالجارِّ الأوَّلِ لِاخْتِلافِ مَعْنَيَيْهِما، فَإنَّ الأوَّلَ لِلِابْتِداءِ، (p-273)والثّانِيَ لِلتَّبْعِيضِ أوْ لِلْبَيانِ، أوِ الثّانِي مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِمّا بَعْدَهُ؛ إذْ لَوْ تَأخَّرَ لَكانَ صِفَةً لَهُ. وَإضافَةُ الحُلِيِّ إلَيْهِمْ مَعَ أنَّها كانَتْ لِلْقِبْطِ لِأدْنى المُلابَسَةِ، حَيْثُ كانُوا اسْتَعارُوها مِن أرْبابِها قُبَيْلَ الغَرَقِ، فَبَقِيَتْ في أيْدِيهِمْ، وأمّا أنَّهم مَلَكُوها بَعْدَ الغَرَقِ فَذَلِكَ مَنُوطٌ بِتَمَلُّكِ بَنِي إسْرائِيلَ غَنائِمَ القِبْطِ، وهم مُسْتَأْمَنُونَ فِيما بَيْنَهم، فَلا يُساعِدُهُ قَوْلُهم: ﴿حُمِّلْنا أوْزارًا مِن زِينَةِ القَوْمِ﴾ . والحُلِيُّ بِضَمِّ الحاءِ وكَسْرِ اللّامِ جَمْعُ حَلْيٍ، كَثَدْيٍ وثُدِيٍّ، وقُرِئَ بِكَسْرِ الحاءِ بِالإتْباعِ كَدِلِيٍّ، وقُرِئَ: ( حَلْيِهِمْ ) عَلى الإفْرادِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عِجْلا﴾ مَفْعُولُ اتَّخَذَ، أُخِّرَ عَنِ المَجْرُورِ لِما مَرَّ مِنَ الِاعْتِناءِ بِالمُقَدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ، مَعَ ما فِيهِ مِن نَوْعِ طُولٍ يُخِلُّ تَقْدِيمُهُ بِتَجاوُبِ أطْرافِ النَّظْمِ الكَرِيمِ، وقِيلَ: هو مُتَعَدٍّ إلى اثْنَيْنِ بِمَعْنى التَّصْيِيرِ، والمَفْعُولُ الثّانِي مَحْذُوفٌ؛ أيْ: إلَهًا. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿جَسَدًا﴾ بَدَلٌ مِن عِجْلًا، أوْ جُثَّةً ذا دَمٍ ولَحْمٍ، أوْ جَسَدًا مِن ذَهَبٍ لا رُوحَ مَعَهُ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهُ خُوارٌ﴾؛ أيْ: صَوْتُ بَقَرٍ، وقُرِئَ بِالجِيمِ والهَمْزَةِ، وهو الصِّياحُ، نَعْتٌ لِعِجْلًا. رُوِيَ أنَّ السّامِرِيَّ لَمّا صاغَ العِجْلَ ألْقى في فَمِهِ تُرابًا مِن أثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقَدْ كانَ أخَذَهُ عِنْدَ فَلْقِ البَحْرِ، أوْ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ إلى الطُّورِ فَصارَ حَيًّا. وقِيلَ: صاغَهُ بِنَوْعٍ مِنَ الحِيَلِ، فَيَدْخُلُ الرِّيحُ في جَوْفِهِ فَيُصَوِّتُ، والأنْسَبُ بِما في سُورَةِ طَهَ هو الأوَّلُ، وإنَّما نُسِبَ اتِّخاذُهُ إلَيْهِمْ وهو فِعْلُهُ، إمّا لِأنَّهُ واحِدٌ مِنهم، وإمّا لِأنَّهم رَضُوا بِهِ فَكَأنَّهم فَعَلُوهُ، وإمّا لِأنَّ المُرادَ بِالِاتِّخاذِ: اتِّخاذُهم إيّاهُ إلَهًا، لا صُنْعُهُ وإحْداثُهُ. ﴿ألَمْ يَرَوْا أنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِتَقْرِيعِهِمْ وتَشْنِيعِهِمْ، وتَرْكِيكِ عُقُولِهِمْ، وتَسْفِيهِهِمْ فِيما أقْدَمُوا عَلَيْهِ مِنَ المُنْكَرِ، الَّذِي هو اتِّخاذُهُ إلَهًا؛ أيْ: ألَمْ يَرَوْا أنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِن أحْكامِ الأُلُوهِيَّةِ حَيْثُ لا يُكَلِّمُهم. ﴿وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا﴾ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، فَكَيْفَ اتَّخَذُوهُ إلَهًا. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاتَّخِذُوهُ﴾؛ أيْ: فَعَلُوا ذَلِكَ. ﴿وَكانُوا ظالِمِينَ﴾؛ أيْ: واضِعِينَ لِلْأشْياءِ في غَيْرِ مَوْضِعِها، فَلَمْ يَكُنْ هَذا أوَّلَ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، والجُمْلَةُ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ، وتَكْرِيرُ اتَّخَذُوهُ لِتَثْنِيَةِ التَّشْنِيعِ وتَرْتِيبِ الِاعْتِراضِ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب