﴿أوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِن بَعْدِ أهْلِها﴾؛ أيْ: يَخْلُفُونَ مَن خَلا قَبْلَهم مِنَ الأُمَمِ المُهْلَكَةِ ويَرِثُونَ دِيارَهم، والمُرادُ بِهِمْ: أهْلُ مَكَّةَ ومَن حَوْلَها، وتَعْدِيَةُ فِعْلِ الهِدايَةِ بِاللّامِ إمّا لِتَنْزِيلِها مَنزِلَةَ اللّامِ، كَأنَّهُ قِيلَ: أغَفَلُوا ولَمْ يُفْعَلِ الهِدايَةُ لَهم ... إلَخْ، وإمّا لِأنَّها بِمَعْنى التَّبْيِينِ، والمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، والفاعِلُ عَلى التَّقْدِيرَيْنِ هو الجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ؛ أيْ: أوَلَمْ يُبَيَّنْ لَهم مَآلُ أمْرِهِمْ.
﴿أنْ لَوْ نَشاءُ أصَبْناهم بِذُنُوبِهِمْ﴾؛ أيْ: أنَّ الشَّأْنَ لَوْ نَشاءُ أصَبْناهم بِجَزاءِ ذُنُوبِهِمْ، أوْ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ كَما أصَبْنا مَن قَبْلَهم، وقُرِئَ: ( نَهْدِ ) بِنُونِ العَظَمَةِ، فالجُمْلَةُ مَفْعُولُهُ.
﴿وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ عَطْفٌ عَلى ما يُفْهَمُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: " أوَلَمْ يَهْدِ "، كَأنَّهُ قِيلَ: لا يَهْتَدُونَ، أوْ يَغْفُلُونَ عَنِ الهِدايَةِ، أوْ عَنِ التَّفَكُّرِ والتَّأمُّلِ، أوْ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ بِمَعْنى: ونَحْنُ نَطْبَعُ، ولا يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلى أصَبْناهم عَلى أنَّهُ بِمَعْنى طَبَعْنا؛ لِإفْضائِهِ إلى نَفْيِ الطَّبْعِ عَنْهم؛ لِأنَّهُ في سِياقِ جَوابِ لَوْ.
﴿فَهم لا يَسْمَعُونَ﴾؛ أيْ: أخْبارَ الأُمَمِ المُهْلَكَةِ، فَضْلًا عَنِ التَّدَبُّرِ والنَّظَرِ فِيها، والِاغْتِنامِ بِما في تَضاعِيفِها مِنَ الهِدايَةِ.(p-255)
{"ayah":"أَوَلَمۡ یَهۡدِ لِلَّذِینَ یَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَاۤ أَن لَّوۡ نَشَاۤءُ أَصَبۡنَـٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا یَسۡمَعُونَ"}