﴿أمَّنْ هَذا الَّذِي هو جُنْدٌ لَكم يَنْصُرُكم مِن دُونِ الرَّحْمَنِ﴾ تَبْكِيتٌ لَهم بِنَفْيِ أنْ يَكُونَ لَهم ناصِرٌ غَيْرُ اللَّهِ تَعالى، كَما يُلَوِّحُ بِهِ التَّعَرُّضُ لِعُنْوانِ الرَّحْمانِيَّةِ ويَعْضُدُهُ قَوْلُهُ تَعالى: "ما يُمْسِكُهُنَّ إلّا الرَّحْمَنُ" أوْ ناصِرٌ مِن عَذابِهِ - تَعالى - كَما هو الأنْسَبُ بِما سَيَأْتِي مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ أمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ لَهم آلِهَةٌ تَمْنَعُهم مِن دُونِنا﴾ في المَعْنَيَيْنِ مَعًا، خَلا أنَّ الأسْتِفْهامَ هُناكَ مُتَوَجِّهٌ إلى نَفْسِ المانِعِ، وتَحَقُّقُهُ وهَهُنا إلى تَعْيِينِ النّاصِرِ؛ لِتَبْكِيتِهِمْ بِإظْهارِ عَجْزِهِمْ عَنْ تَعْيِينِهِ، و"أمْ" مُنْقَطِعَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِـ"بَلِ" المُفِيدَةِ لِلِانْتِقالِ مِن تَوْبِيخِهِمْ عَلى تَرْكِ التَّأمُّلِ فِيما يُشاهِدُونَهُ مِن أحْوالِ الطَّيْرِ المُنْبِئَةِ عَنْ تَعاجِيبِ آثارِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ إلى التَّبْكِيتِ بِما ذُكِرَ، والألْتِفاتُ لِلتَّشْدِيدِ في ذَلِكَ، ولا سَبِيلَ إلى تَقْدِيرِ الهَمْزَةِ مَعَها؛ لِأنَّ ما بَعْدَها "مَن" الاسْتِفْهامِيَّةُ، وهي مُبْتَدَأٌ و"هَذا" خَبَرُهُ، والمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ صِفَتُهُ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن ذا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ﴾ وإيثارُ هَذا؛ لِتَحْقِيرِ المُشارِ إلَيْهِ، و"يَنْصُرُكُمْ" صِفَةٌ لِـ"جُنْدٌ" بِاعْتِبارِ لَفْظِهِ، و ﴿مِن دُونِ الرَّحْمَنِ﴾ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ: إمّا حالٌ مِن فاعِلِ "يَنْصُرُكُمْ"، أوْ نَعْتٌ لِمَصْدَرِهِ، وعَلى الثّانِي: مُتَعَلِّقٌ بِـ"يَنْصُرُكُمْ" كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن يَنْصُرُنِي مَن اللَّهِ﴾ فالمَعْنى: بَلْ مَن هَذا الحَقِيرُ الَّذِي هو في زَعْمِكم جُنْدٌ لَكم يَنْصُرُكم نَصْرًا كائِنًا مِن دُونِ نَصْرِهِ تَعالى، أوْ يَنْصُرُكم مِن عَذابٍ كائِنٍ مِن عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وتَوَهُّمُ أنَّ "أمْ" مُعادِلَةٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا...﴾ إلَخْ، مَعَ القَوْلِ بِأنَّ "مَنِ" اسْتِفْهامِيَّةٌ مِمّا لا تَقْرِيبَ لَهُ أصْلًا، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِ الكافِرُونَ إلا في غُرُورٍ﴾ اعْتِراضٌ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ ناعٍ عَلَيْهِمْ ما هم فِيهِ مِن غايَةِ الضَّلالِ، أيْ: ما هم في زَعْمِهِمْ أنَّهم مَحْفُوظُونَ مِنَ النَّوائِبِ بِحِفْظِ آلِهَتِهِمْ، لا بِحِفْظِهِ تَعالى فَقَطْ، أوْ أنَّ آلِهَتَهم تَحَفَظُهم مِن بَأْسِ اللَّهِ إلّا في غُرُورٍ عَظِيمٍ، وضَلالٍ فاحِشٍ مِن جِهَةِ الشَّيْطانِ، لَيْسَ لَهم في ذَلِكَ شَيْءٌ يُعْتَدُّ بِهِ في الجُمْلَةِ، والألْتِفاتُ إلى الغَيْبَةِ لِلْإيذانِ بِاقْتِضاءِ حالِهِمْ لِلْإعْراضِ عَنْهُمْ، وبَيانِ قَبائِحِهِمْ لِغَيْرِهِمْ، والإظْهارُ في مَوْقِعِ الإضْمارِ؛ لِذَمِّهِمْ بِالكُفْرِ وتَعْلِيلِ غُرُورِهِمْ بِهِ، والكَلامُ في قَوْلِهِ تَعالى:
{"ayah":"أَمَّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِی هُوَ جُندࣱ لَّكُمۡ یَنصُرُكُم مِّن دُونِ ٱلرَّحۡمَـٰنِۚ إِنِ ٱلۡكَـٰفِرُونَ إِلَّا فِی غُرُورٍ"}