الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ مِن شَناعَةِ تَرْكِ القِتالِ و"إذْ" مَنصُوبٌ عَلى المَفْعُولِيَّةِ بِمُضْمَرٍ خُوطِبَ بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِطَرِيقِ التَّلْوِينِ أيْ: واذْكُرْ لِهَؤُلاءِ المُعْرِضِينَ عَنِ القِتالِ وقْتَ قَوْلِ مُوسى لبَنِي إسْرائِيلَ حِينَ نَدَبَهم إلى قِتالِ الجَبابِرَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿يا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكم ولا تَرْتَدُّوا عَلى أدْبارِكم فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ﴾ فَلَمْ يَمْتَثِلُوا بِأمْرِهِ وعَصَوْهُ أشَدَّ عِصْيانٍ حَيْثُ قالُوا: ﴿يا مُوسى إنَّ فِيها قَوْمًا جَبّارِينَ وإنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنها فَإنْ يَخْرُجُوا مِنها فَإنّا داخِلُونَ﴾ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا إنّا ها هُنا قاعِدُونَ﴾ وأصَرُّوا عَلى ذَلِكَ وآذَوْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كُلَّ الأذِيَّةِ. ﴿يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ أيْ: بِالمُخالَفَةِ والعِصْيانِ فِيما أمَرَتْكم بِهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِإنْكارِ الإيذاءِ ونَفْيِ سَبَبِهِ و"قَدْ" لِتَحْقِيقِ العِلْمِ وصِيغَةُ المُضارِعِ لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِمْرارِهِ أيْ: والحالُ أنَّكم تَعْلَمُونَ عِلْمًا قَطْعِيًّا مُسْتَمِرًّا بِمُشاهَدَةِ ما ظَهَرَ بِيَدِي مِنَ المُعْجِزاتِ القاهِرَةِ الَّتِي مُعْظَمُها إهْلاكُ عَدُوِّكم وإنْجاؤُكم مِن مَلِكَتِهِ إنّى رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكم لِأُرْشِدَكم إلى خَيْرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ ومِن قَضِيَّةِ عِلْمِكم بِذَلِكَ أنْ تُبالِغُوا في تَعْظِيمِي وتُسارِعُوا إلى طاعَتِي. ﴿فَلَمّا زاغُوا﴾ أيْ: أصَرُّوا عَلى الزَّيْغِ عَنِ الحَقِّ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ واسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ. ﴿أزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ أيْ: صَرَفَها عَنْ قَبُولِ الحَقِّ والمَيْلِ إلى الصَّوابِ لِصَرْفِ اخْتِيارِهِمْ نَحْوَ الغَيِّ والضَّلالِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ﴾ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَهُ مِنَ الإزاغَةِ ومُؤْذِنٌ بِعِلَّتِهِ أيْ: لا يَهْدِي القَوْمَ الخارِجِينَ عَنِ الطّاعَةِ ومِنهاجِ الحَقِّ المُصِرِّينَ عَلى الغِوايَةِ هِدايَةً مُوصِلَةً إلى ما يُوصِلُ إلَيْها فَإنَّها شامِلَةٌ لِلْكُلِّ، والمُرادُ بِهِمْ: إمّا المَذْكُورُونَ خاصَّةً، والإظْهارُ في مَوْقِعِ الإضْمارِ لِذَمِّهِمْ بِالفِسْقِ وتَعْلِيلِ عَدَمِ الهِدايَةِ بِهِ أوْ جِنْسِ الفاسِقِينَ وهم داخِلُونَ في حُكْمِهِ دُخُولًا أوَّلِيًّا. وأيًّا ما كانَ؛ فَوَصْفُهم بِالفِسْقِ ناظِرٌ إلى ما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فافْرُقْ بَيْنَنا وبَيْنَ القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾ هَذا هو الَّذِي تَقْتَضِيهِ جَزالَةُ النَّظْمِ (p-244)الكَرِيمِ ويَرْتَضِيهِ الذَّوْقُ السَّلِيمُ. وأمّا ما قِيلَ بِصَدَدِ بَيانِ أسْبابِ الأذِيَّةِ مِن أنَّهم كانُوا يُؤْذُونَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِأنْواعِ الأذى مِنِ انْتِقاصِهِ وعَيْبِهِ في نَفْسِهِ وجُحُودِ آياتِهِ وعِصْيانِهِ فِيما تَعُودُ إلَيْهِمْ مَنافِعُهُ وعِبادَتِهِمُ البَقَرَ وطَلَبِهِمْ رُؤْيَةَ اللَّهِ جَهْرَةً والتَّكْذِيبِ الَّذِي هو تَضْيِيعُ حَقِّ اللَّهِ وحَقِّهِ فَمِمّا لا تَعَلُّقَ لَهُ بِالمَقامِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب