الباحث القرآني

(p-235)سُورَةُ المُمْتَحِنَةِ مَدَنِيَّةٌ وآياتُها ثَلاثَ عَشْرَةَ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكم أوْلِياءَ﴾ نَزَلَتْ في حاطِبِ ابْنِ أبِي بَلْتَعَةَ؛ وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا تَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِغَزْوِ الفَتْحِ كَتَبَ إلى أهْلِ مَكَّةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُكم فَخُذُوا حِذْرَكم وأرْسَلَهُ مَعَ سارَّةَ مَوَلاةِ بَنِي المُطَّلِبِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالخَبَرِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيًّا وعَمّارًا وطَلْحَةَ والزُّبَيْرَ والمِقْدادَ وأبا مَرْثَدٍ وقالَ: انْطَلَقُوا حَتّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خاخٍ فَإنَّ بِها ظَعِينَةً مَعَها كِتابُ حاطِبٍ إلى أهْلِ مَكَّةَ فَخُذُوهُ مِنها وخَلُّوها فَإنْ أبَتْ فاضْرِبُوا عُنُقَها فَأدْرَكُوها ثَمَّةَ فَجَحَدَتْ فَسَلَّ عَلِيٌّ سَيْفَهُ فَأخْرَجْتَهُ مِن عِقاصِها فاسْتَحْضَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حاطِبًا وقالَ: ما حَمَلَكَ عَلى هَذا؟ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما كَفَرْتُ مُنْذُ أسْلَمْتُ ولا غَشَشْتُكَ مُنْذُ نَصَحْتُكَ ولَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْش ولَيْسَ لِي فِيهِمْ مَن يَحْمِي أهْلِي فَأرَدْتُ أنْ آخُذَ عِنْدَهم يَدًا وقَدْ عَلِمْتُ أنَّ كِتابِي لَنْ يُغْنِيَ عَنْهم شَيْئًا فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقَبِلَ عُذْرَهُ. ﴿تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ﴾ أيْ: تُوصِلُونَ إلَيْهِمْ، عَلى أنَّ الباءَ زائِدَةٌ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأيْدِيكم إلى التَّهْلُكَةِ﴾ أوْ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ أخْبارَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةَ والسَّلامُ بِسَبَبِ المَوَدَّةِ الَّتِي بَيْنَكم وبَيْنَهُمْ، والجُمْلَةُ إمّا حالٌ مِن فاعِلِ "لا تَتَّخِذُوا" أوْ صِفَةٌ لِـ"أوْلِياءَ" وإبْرازُ الضَّمِيرِ في الصِّفاتِ الجارِيَةِ عَلى غَيْرِ مَن هي لَهُ إنَّما يُشْتَرَطُ في الِاسْمِ دُونَ الفِعْلِ أوِ اسْتِئْنافٌ. ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكم مِنَ الحَقِّ﴾ حالٌ مِن فاعِلِ "تُلْقُونَ"، وقِيلَ: مِن فاعِلِ "لا تَتَّخِذُوا" وقُرِئَ "لِما جاءَكُمْ" أيْ: كَفَرُوا لِأجْلِ ما جاءَكم بِمَعْنى جَعْلِ ما هو سَبَبُ الإيمانِ سَبَبًا لِلْكُفْرِ. ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وإيّاكُمْ﴾ أيْ: مِن مَكَّةَ وهو إمّا حالٌ مِن فاعِلِ "كَفَرُوا" أوِ اسْتِئْنافٌ مُبَيِّنٌ لِكُفْرِهِمْ وصِيغَةُ المُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ الصُّورَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ تَعْلِيلٌ لِلْإخْراجِ فِيهِ تَغْلِيبُ المُخاطَبِ عَلى الغائِبِ والتِفاتٌ مِنَ التَّكَلُّمِ إلى الغَيْبَةِ لِلْإشْعارِ بِما يُوجِبُ الإيمانَ مِنَ الأُلُوهِيَّةِ والربوبية. (p-236)﴿إنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهادًا في سَبِيلِي وابْتِغاءَ مَرْضاتِي﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ"لا تَتَّخِذُوا" كَأنَّهُ قِيلَ: لا تَتَوَلَّوْا أعْدائِي إنْ كُنْتُمْ أوْلِيائِي وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿تُسِرُّونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ﴾ اسْتِئْنافٌ وارِدٌ عَلى نَهْجِ العِتابِ والتَّوْبِيخِ أيْ: تُسِرُّونَ إلَيْهِمُ المَوَدَّةَ أوِ الأخْبارَ بِسَبَبِ المَوَدَّةِ. ﴿وَأنا أعْلَمُ﴾ أيْ: والحالُ أنِّي أعْلَمُ مِنكم. ﴿بِما أخْفَيْتُمْ وما أعْلَنْتُمْ﴾ ومُطْلِعٌ رَسُولِي عَلى ما تُسِرُّونَ، فَأيُّ طائِلٍ لَكم في الإسْرارِ، وقِيلَ: "أعْلَمُ" مُضارِعٌ والباءُ مَزِيدَةٌ و"ما" مَوْصُولَةٌ أوْ مَصْدَرِيَّةٌ وتَقْدِيمُ الإخْفاءِ عَلى الإعْلانِ قَدْ مَرَّ وجْهُهُ في قَوْلِهِ تَعالى: " يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ " . ﴿وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ﴾ أيِ: الِاتِّخاذَ. ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ﴾ فَقَدْ أخَطَأ طَرِيقَ الحَقِّ والصَّوابِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب