الباحث القرآني

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ نِعْمَتِهِ تَعالى في الكَواكِبِ، إثْرَ بَيانِ نِعْمَتِهِ تَعالى في النَّيِّرَيْنِ، والجَعْلُ مُتَعَدٍّ إلى واحِدٍ، واللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، وتَأْخِيرُ المَفْعُولِ الصَّرِيحِ عَنِ الجارِّ والمَجْرُورِ لِما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنَ الِاهْتِمامِ بِالمُقَدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ؛ أيْ: أنْشَأها وأبْدَعَها لِأجْلِكم. فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِتَهْتَدُوا بِها﴾ بَدَلٌ مِنَ المَجْرُورِ بِإعادَةِ العامِلِ بَدَلَ اشْتِمالٍ، كَما قِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَجَعَلْنا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا﴾، والتَّقْدِيرُ: جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِاهْتِدائِكم، لَكِنْ لا عَلى أنَّ غايَةَ خَلْقِها اهْتِداؤُهم فَقَطْ، بَلْ عَلى طَرِيقَةِ إفْرادِ بَعْضِ مَنافِعِها وغاياتِها بِالذِّكْرِ حَسْبَما يَقْتَضِيهِ المَقامُ. وَقَدْ جُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثانِيًا لِلْجَعْلِ، وهو بِمَعْنى التَّصْيِيرِ؛ أيْ: جَعَلَها كائِنَةً لِاهْتِدائِكم في أسْفارِكم عِنْدَ دُخُولِكُمُ المَفاوِزَ أوِ البِحارَ. كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ﴾؛ أيْ: في ظُلُماتِ اللَّيْلِ في البَرِّ والبَحْرِ، وإضافَتُها إلَيْهِما لِلْمُلابَسَةِ، فَإنَّ الحاجَةَ إلى الِاهْتِداءِ بِها إنَّما يَتَحَقَّقُ عِنْدَ ذَلِكَ، أوْ في مُشْتَبِهاتِ الطُّرُقِ عَبَّرَ عَنْها بِالظُّلُماتِ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ. ﴿قَدْ فَصَّلْنا الآياتِ﴾؛ أيْ: بَيَّنّا الآياتِ المَتْلُوَّةَ المُذَكِّرَةَ لِنِعَمِهِ الَّتِي هَذِهِ النِّعْمَةُ مِن جُمْلَتِها، أوِ الآياتِ التَّكْوِينِيَّةَ الدّالَّةَ عَلى شُئُونِهِ تَعالى مُفَصَّلَةً. ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾؛ أيْ: مَعانِيَ الآياتِ المَذْكُورَةِ ويَعْلَمُونَ بِمُوجَبِها، أوْ يَتَفَكَّرُونَ في الآياتِ التَّكْوِينِيَّةِ فَيَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ الحالِ، وتَخْصِيصُ التَّفْصِيلِ بِهِمْ مَعَ عُمُومِهِ لِلْكُلِّ؛ لِأنَّهُمُ المُنْتَفِعُونَ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب