الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَيْفَ أخافُ ما أشْرَكْتُمْ﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِنَفْيِ الخَوْفِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِحَسَبِ زَعْمِ الكَفَرَةِ بِالطَّرِيقِ الإلْزامِيِّ كَما سَيَأْتِي، بَعْدَ نَفْيِهِ عَنْهُ بِسَبَبِ الواقِعِ ونَفْسِ الأمْرِ، والِاسْتِفْهامُ لِإنْكارِ الوُقُوعِ ونَفْيِهِ بِالكُلِّيَّةِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ ...﴾ الآيَةَ؛ لا لِإنْكارِ الواقِعِ واسْتِبْعادِهِ مَعَ وُقُوعِهِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ...﴾ إلَخْ، وفي تَوْجِيهِ الإنْكارِ إلى كَيْفِيَّةِ الخَوْفِ مِنَ المُبالَغَةِ، ما لَيْسَ في تَوْجِيهِهِ إلى نَفْسِهِ بِأنْ يُقالَ: أأخافُ لِما أنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ يَجِبُ أنْ يَكُونَ وُجُودُهُ عَلى حالٍ مِنَ الأحْوالِ، وكَيْفِيَّةٍ مِنَ الكَيْفِيّاتِ قَطْعًا ؟ فَإذا انْتَفى جَمِيعُ أحْوالِهِ وكَيْفِيّاتُهُ، فَقَدِ انْتَفى وجُودُهُ مِن جَمِيعِ الجِهاتِ بِالطَّرِيقِ البُرْهانِيِّ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَخافُونَ أنَّكم أشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ﴾ حالٌ مِن ضَمِيرِ " أخافُ " بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ، والواوُ كافِيَةٌ في الرَّبْطِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى الضَّمِيرِ العائِدِ إلى ذِي الحالِ، وهو مُقَرِّرٌ لِإنْكارِ الخَوْفِ ونَفْيِهِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، ومُفِيدٌ لِاعْتِرافِهِمْ بِذَلِكَ، فَإنَّهم حَيْثُ لَمْ يَخافُوا في مَحِلِّ الخَوْفِ؛ فَلِأنْ لا يَخافَ عَلَيْهِ السَّلامُ في مَحِلِّ الأمْنِ أوْلى وأحْرى؛ أيْ: وكَيْفَ أخافُ أنا ما لَيْسَ في حَيِّزِ الخَوْفِ أصْلًا، وأنْتُمْ لا تَخافُونَ غائِلَةَ ما هو أعْظَمُ المَخُوفاتِ وأهْوَلُها، وهو إشْراكُكم بِاللَّهِ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ ما هو مِن جُمْلَةِ مَخْلُوقاتِهِ ؟
وَإنَّما عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ﴾؛ أيْ: بِإشْراكِهِ.
﴿عَلَيْكم سُلْطانًا﴾ عَلى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ مَعَ الإيذانِ بِأنَّ الأُمُورَ الدِّينِيَّةَ لا يُعَوَّلُ فِيها إلّا عَلى الحُجَّةِ المُنَزَّلَةِ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى، وفي تَعْلِيقِ الخَوْفِ الثّانِي بِإشْراكِهِمْ مِنَ المُبالَغَةِ ومُراعاةِ حُسْنِ الأدَبِ ما لا يَخْفى.
هَذا، وأمّا ما قِيلَ: مِن أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: " ﴿وَلا تَخافُونَ﴾ ... " إلَخْ، مَعْطُوفٌ عَلى " ﴿أخافُ﴾ " داخِلٌ مَعَهُ في حُكْمِ الإنْكارِ والتَّعْجِيبِ، فَمِمّا لا سَبِيلَ إلَيْهِ أصْلًا لِإفْضائِهِ إلى فَسادِ المَعْنى قَطْعًا، كَيْفَ لا وقَدْ عَرَفْتَ أنَّ الإنْكارَ بِمَعْنى النَّفْيِ بِالكُلِّيَّةِ، فَيَؤُولُ المَعْنى إلى نَفْيِ الخَوْفِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ونَفْيِ نَفْيِهِ عَنْهم، وأنَّهُ بَيِّنُ الفَسادِ، وحَمْلُ الإنْكارِ في الأوَّلِ عَلى مَعْنى نَفْيِ الوُقُوعِ، وفي الثّانِي عَلى اسْتِبْعادِ الواقِعِ مِمّا لا مَساغَ لَهُ، عَلى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَأيُّ الفَرِيقَيْنِ أحَقُّ بِالأمْنِ﴾ ناطِقٌ بِبُطْلانِهِ حَتْمًا، فَإنَّهُ كَلامٌ مُرَتَّبٌ عَلى إنْكارِ خَوْفِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ (p-156)والسَّلامُ في مَحِلِّ الأمْنِ، مَعَ تَحَقُّقِ عَدَمِ خَوْفِهِمْ في مَحِلِّ الخَوْفِ، مَسُوقٌ لِإلْجائِهِمْ إلى الِاعْتِرافِ بِاسْتِحْقاقِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِما هو عَلَيْهِ مِنَ الأمْنِ، وبِعَدَمِ اسْتِحْقاقِهِمْ لِما هم عَلَيْهِ، وإنَّما جِيءَ بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ المُشْعِرَةِ بِاسْتِحْقاقِهِمْ لَهُ في الجُمْلَةِ، لِاسْتِنْزالِهِمْ عَنْ رُتْبَةِ المُكابَرَةِ والِاعْتِسافِ بِسَوْقِ الكَلامِ عَلى سَنَنِ الإنْصافِ.
والمُرادُ بِالفَرِيقَيْنِ: الفَرِيقِ الآمِنِ في مَحِلِّ الأمْنِ، والفَرِيقِ الآمِنِ في مَحِلِّ الخَوْفِ؛ فَإيثارُ ما عَلَيْهِ النَّظْمُ الكَرِيمُ عَلى أنْ يُقالَ: فَأيُّنا أحَقُّ بِالأمْنِ أنا أمْ أنْتُمْ ؟ لِتَأْكِيدِ الإلْجاءِ إلى الجَوابِ الحَقِّ بِالتَّنْبِيهِ عَلى عِلَّةِ الحُكْمِ، والتَّفادِي عَنِ التَّصْرِيحِ بِتَخْطِئَتِهِمْ، لا لِمُجَرَّدِ الِاحْتِرازِ عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ.
﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ المَفْعُولُ إمّا مَحْذُوفٌ تَعْوِيلًا عَلى ظُهُورِهِ بِمَعُونَةِ المَقامِ؛ أيْ: إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَن أحَقُّ بِذَلِكَ، أوْ قَصْدًا إلى التَّعْمِيمِ؛ أيْ: إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَيْئًا، وإمّا مَتْرُوكٌ بِالمَرَّةِ؛ أيْ: إنْ كُنْتُمْ مِن أُولِي العِلْمِ، وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: فَأخْبِرُونِي.
{"ayah":"وَكَیۡفَ أَخَافُ مَاۤ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَیۡكُمۡ سُلۡطَـٰنࣰاۚ فَأَیُّ ٱلۡفَرِیقَیۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق