الباحث القرآني

﴿وَهُوَ القاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ﴾؛ أيْ: هو المُتَصَرِّفُ في أُمُورِهِمْ لا غَيْرُهُ، يَفْعَلُ بِهِمْ ما يَشاءُ إيجادًا وإعْدامًا، وإحْياءً وإماتَةً، وتَعْذِيبًا وإثابَةً، إلى غَيْرِ ذَلِكَ. ﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ﴾ خاصَّةً أيُّها المُكَلَّفُونَ. ﴿حَفَظَةً﴾ مِنَ المَلائِكَةِ، وهُمُ الكِرامُ الكاتِبُونَ، وعَلَيْكم مُتَعَلِّقٌ بِيُرْسِلُ لِما فِيهِ مِن مَعْنى الِاسْتِيلاءِ، وتَقْدِيمُهُ عَلى المَفْعُولِ الصَّرِيحِ، لِما مَرَّ مِرارًا مِنَ الاعْتِناءِ بِالمُقَدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ. وَقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ هو حالٌ مِن حَفَظَةً؛ إذْ لَوْ تَأخَّرَ لَكانَ صِفَةً؛ أيْ: كائِنِينَ عَلَيْكم. وَقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِحَفَظَةً، والمَحْفُوظُ مَحْذُوفٌ عَلى كُلِّ حالٍ؛ أيْ: يُرْسِلُ عَلَيْكم مَلائِكَةً يَحْفَظُونَ أعْمالَكم كائِنَةً ما كانَتْ، وفي ذَلِكَ حِكْمَةٌ جَمِيلَةٌ ونِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ، لِما أنَّ المُكَلَّفَ إذا عَلِمَ أنَّ أعْمالَهُ تُحْفَظُ عَلَيْهِ، وتُعْرَضُ عَلى رُءُوسِ الأشْهادِ، كانَ ذَلِكَ أزْجَرَ لَهُ عَنْ تَعاطِي المَعاصِي والقَبائِحِ، وأنَّ العَبْدَ إذا وثِقَ بِلُطْفِ سَيِّدِهِ، واعْتَمَدَ عَلى عَفْوِهِ وسَتْرِهِ، لَمْ يَحْتَشِمْهُ احْتِشامَهُ مِن خَدَمِهِ الواقِفِينَ عَلى أحْوالِهِ. وَ" حَتّى " في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَتّى إذا جاءَ أحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ هي الَّتِي يُبْتَدَأُ بِها الكَلامُ، وهي مَعَ ذَلِكَ تَجْعَلُ ما بَعْدَها مِنَ الجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ غايَةً لِما قَبْلَها، كَأنَّهُ قِيلَ: ويُرْسِلُ عَلَيْكم حَفَظَةً يَحْفَظُونَ أعْمالَكم مُدَّةَ حَياتِكم، حَتّى إذا انْتَهَتْ مُدَّةُ أحَدٍ كائِنًا مَن كانَ، وجاءَهُ أسْبابُ المَوْتِ ومَبادِيهِ. ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا﴾ الآخَرُونَ المُفَوَّضُ إلَيْهِمْ ذَلِكَ، وهم مَلَكُ المَوْتِ وأعْوانُهُ، وانْتَهى هُناكَ حِفْظُ الحَفَظَةِ. وقُرِئَ: ( تَوَفّاهُ ) ماضِيًا، أوْ مُضارِعًا بِطَرْحِ إحْدى التّاءَيْنِ. ﴿وَهُمْ﴾؛ أيِ: الرُّسُلُ. ﴿لا يُفَرِّطُونَ﴾؛ أيْ: بِالتَّوانِي والتَّأْخِيرِ، وقُرِئَ مُخَفَّفًا مِنَ الإفْراطِ؛ أيْ: (p-145)لا يُجاوِزُونَ ما حُدَّ بِهِمْ بِزِيادَةٍ أوْ نُقْصانٍ. والجُمْلَةُ حالٌ مِن رُسُلِنا، وقِيلَ: مُسْتَأْنَفَةٌ سِيقَتْ لِبَيانِ اعْتِنائِهِمْ بِما أُمِرُوا بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب