الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ إنِّي عَلى بَيِّنَةٍ﴾ تَحْقِيقٌ لِلْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وبَيانٌ لِاتِّباعِهِ إيّاهُ إثْرَ إبْطالِ الباطِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الكَفَرَةُ، وبَيانُ عَدَمِ (p-142)اتِّباعِهِ. والبَيِّنَةُ: الحُجَّةُ الواضِحَةُ الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، والمُرادُ بِها: القرآن والوَحْيُ. وقِيلَ: هو الحُجَجُ العَقْلِيَّةُ أوْ ما يَعُمُّها، ولا يُساعِدُهُ المَقامُ، والتَّنْوِينُ لِلتَّفْخِيمِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن رَبِّي﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ هو صِفَةٌ لِبَيِّنَةٍ، مُؤَكِّدَةٌ لِما أفادَهُ التَّنْوِينُ مِنَ الفَخامَةِ الذّاتِيَّةِ بِالفَخامَةِ الإضافِيَّةِ، وفي التَّعَرُّضِ لِعُنْوانِ الربوبية مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِهِ ﷺ مِنَ التَّشْرِيفِ ورَفْعِ المَنزِلَةِ ما لا يَخْفى. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَّبْتُمْ بِهِ﴾ إمّا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، أوْ حالِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ: قَدْ، أوْ بِدُونِهِ، جِيءَ بِها لِاسْتِقْباحِ مَضْمُونِها، واسْتِبْعادِ وُقُوعِهِ مَعَ تَحَقُّقِ ما يَقْتَضِي عَدَمَهُ مِن غايَةِ وُضُوحِ البَيِّنَةِ، والضَّمِيرُ المَجْرُورُ لِلْبَيِّنَةِ، والتَّذْكِيرِ بِاعْتِبارِ المَعْنى المُرادِ، والمَعْنى: إنِّي عَلى بَيِّنَةٍ عَظِيمَةٍ كائِنَةٍ مَن رَبِّي، وكَذَّبْتُمْ بِها وبِما فِيها مِنَ الأخْبارِ، الَّتِي مِن جُمْلَتِها الوَعِيدُ بِمَجِيءِ العَذابِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ اسْتِئْنافٌ مُبَيِّنٌ لِخَطَئِهِمْ في شَأْنِ ما جَعَلُوهُ مَنشَأً لِتَكْذِيبِهِمْ بِها، وهو عَدَمُ مَجِيءِ ما وُعِدَ فِيها مِنَ العَذابِ الَّذِي كانُوا يَسْتَعْجِلُونَهُ بِقَوْلِهِمْ: ﴿مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ بِطَرِيقِ الِاسْتِهْزاءِ، أوْ بِطَرِيقِ الإلْزامِ عَلى زَعْمِهِمْ؛ أيْ: لَيْسَ ما تَسْتَعْجِلُونَهُ مِنَ العَذابِ المَوْعُودِ في القرآن، وتَجْعَلُونَ تَأخُّرَهُ ذَرِيعَةً إلى تَكْذِيبِهِ في حُكْمِي وقُدْرَتِي، حَتّى أجِيءَ بِهِ وأُظْهِرَ لَكم صِدْقَهُ، أوْ لَيْسَ أمْرُهُ بِمُفَوَّضٍ إلَيَّ. ﴿إنِ الحُكْمُ﴾؛ أيْ: ما الحُكْمُ في ذَلِكَ تَعْجِيلًا وتَأْخِيرًا، أوْ ما الحُكْمُ في جَمِيعِ الأشْياءِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ ما ذُكِرَ دُخُولًا أوَّلِيًّا. ﴿إلا لِلَّهِ﴾ وحْدَهُ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ دَخْلٌ ما فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَقُصُّ الحَقَّ﴾؛ أيْ: يَتْبَعُهُ، بَيانٌ لِشُئُونِهِ تَعالى في حُكْمِ المَعْهُودِ، أوْ في جَمِيعِ أحْكامِهِ المُنْتَظِمَةِ لَهُ انْتِظامًا أوَّلِيًّا؛ أيْ: لا يَحْكُمُ إلّا بِما هو حَقٌّ، فَيُثْبِتُ حَقِيقَةَ التَّأْخِيرِ. وَقُرِئَ: ( يَقْضِي ) فانْتِصابُ الحَقِّ حِينَئِذٍ عَلى المَصْدَرِيَّةِ؛ أيْ: يَقْضِي القَضاءَ الحَقَّ، أوْ عَلى المَفْعُولِيَّةِ؛ أيْ: يَصْنَعُ الحَقَّ ويُدَبِّرُهُ، مِن قَوْلِهِمْ: قَضى الدِّرْعَ: إذا صَنَعَها، وأصْلُ القَضاءِ: الفَصْلُ بِتَمامِ الأمْرِ، وأصْلُ الحُكْمِ: المَنعُ، فَكَأنَّهُ يَمْنَعُ الباطِلَ عَنْ مُعارَضَةِ الحَقِّ، أوِ الخَصْمَ عَنِ التَّعَدِّي عَلى صاحِبِهِ. ﴿وَهُوَ خَيْرُ الفاصِلِينَ﴾ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَهُ، مُشِيرٌ إلى أنَّ قَصَّ الحَقِّ هَهُنا بِطَرِيقٍ خاصٍّ، هو الفَصْلُ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، هَذا هو الَّذِي تَسْتَدْعِيهِ جَزالَةُ التَّنْزِيلِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ المَعْنى: إنِّي مِن مَعْرِفَةِ رَبِّي وأنَّهُ لا مَعْبُودَ سِواهُ، عَلى حُجَّةٍ واضِحَةٍ وشاهِدِ صِدْقٍ، وكَذَّبْتُمْ بِهِ أنْتُمْ حَيْثُ أشْرَكْتُمْ بِهِ تَعالى غَيْرَهُ. وَأنْتَ خَبِيرٌ بِأنَّ مَساقَ النَّظْمِ الكَرِيمِ فِيما سَبَقَ وما لَحِقَ، عَلى وصْفِهِمْ بِتَكْذِيبِ آياتِ اللَّهِ تَعالى؛ بِسَبَبِ عَدَمِ مَجِيءِ العَذابِ المَوْعُودِ فِيها، فَتَكْذِيبُهم بِهِ سُبْحانَهُ في أمْرِ التَّوْحِيدِ مِمّا لا تَعَلُّقَ لَهُ بِالمَقامِ أصْلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب