الباحث القرآني

﴿وَما نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ وظائِفِ مَنصِبِ الرِّسالَةِ عَلى الإطْلاقِ، وتَحْقِيقِ ما في عُهْدَةِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وإظْهارِ أنَّ ما يَقْتَرِحُهُ الكَفَرَةُ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْسَ مِمّا يَتَعَلَّقُ بِالرِّسالَةِ أصْلًا، وصِيغَةُ المُضارِعِ لِبَيانِ أنَّ ذَلِكَ أمْرٌ مُسْتَمِرٌّ جَرَتْ عَلَيْهِ العادَةُ الإلَهِيَّةُ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ﴾ حالانِ مُقَدَّرَتانِ مِنَ المُرْسَلِينَ؛ أيْ: ما نُرْسِلُهم إلّا مُقَدَّرًا تَبْشِيرُهم وإنْذارُهم، فَفِيهِما مَعْنى العِلَّةِ الغائِبَةِ قَطْعًا؛ أيْ: لِيُبَشِّرُوا قَوْمَهم بِالثَّوابِ عَلى الطّاعَةِ، ويُنْذِرُوهم بِالعَذابِ عَلى المَعْصِيَةِ؛ أيْ: لِيُخْبِرُوهم بِالخَبَرِ السّارِّ والخَبَرِ الضّارِّ، دُنْيَوِيًّا كانَ أوْ أُخْرَوِيًّا، مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لَهم دَخْلٌ ما في وُقُوعِ المُخْبَرِ بِهِ أصْلًا، وعَلَيْهِ يَدُورُ القَصْرُ والإلْزامُ أنْ لا يَكُونَ بَيانُ الشَّرائِعِ والأحْكامِ مِن وظائِفِ الرِّسالَةِ. والفاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن آمَنَ وأصْلَحَ﴾ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها، ومَن مَوْصُولَةٌ. والفاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ لِشَبَهِ المَوْصُولِ بِالشَّرْطِ؛ أيْ: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ مِنَ العَذابِ الَّذِي أُنْذَرُوهُ، دُنْيَوِيًّا كانَ أوْ أُخْرَوِيًّا، ولا هم يَحْزَنُونَ بِفَواتِ ما بُشِّرُوا بِهِ مِنَ الثَّوابِ العاجِلِ والآجِلِ، وتَقْدِيمُ نَفْيِ الخَوْفِ عَلى نَفْيِ الحُزْنِ لِمُراعاةِ حَقِّ المَقامِ، وجَمْعُ الضَّمائِرِ الثَّلاثَةِ الرّاجِعَةِ إلى " مَن " بِاعْتِبارِ مَعْناها، كَما أنَّ إفْرادَ الضَّمِيرَيْنِ السّابِقَيْنِ بِاعْتِبارِ لَفْظِها؛ أيْ: لا يَعْتَرِيهِمْ ما يُوجِبُ ذَلِكَ، لا أنَّهُ يَعْتَرِيهِمْ، لَكِنَّهم لا يَخافُونَ ولا يَحْزَنُونَ. والمُرادُ: بَيانُ دَوامِ انْتِفائِهِما لا بَيانُ دَوامِهِما، كَما يُوهِمُهُ كَوْنُ الخَبَرِ في الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ مُضارِعًا، (p-136)لِما تَقَرَّرَ في مَوْضِعِهِ مِن أنَّ النَّفْيَ وإنْ دَخَلَ عَلى نَفْسِ المُضارِعِ يُفِيدُ الدَّوامَ والِاسْتِمْرارَ بِحَسَبِ المَقامِ، ألا يُرى أنَّ الجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ تَدُلُّ بِمَعُونَةِ المَقامِ عَلى اسْتِمْرارِ الثُّبُوتِ، فَإذا دَخَلَ عَلَيْها حَرْفُ النَّفْيِ دَلَّتْ عَلى اسْتِمْرارِ الِانْتِفاءِ لا عَلى انْتِفاءِ الِاسْتِمْرارِ، كَذَلِكَ المُضارِعُ الخالِي عَنْ حَرْفِ النَّفْيِ يُفِيدُ اسْتِمْرارَ الثُّبُوتِ، فَإذا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ النَّفْيِ يُفِيدُ اسْتِمْرارَ الِانْتِفاءِ لا انْتِفاءَ الِاسْتِمْرارِ، ولا بُعْدَ في ذَلِكَ؛ فَإنَّ قَوْلَكَ: ما زَيْدًا ضَرَبْتُ، مُفِيدٌ لِاخْتِصاصِ النَّفْيِ لا نَفْيِ الِاخْتِصاصِ، كَما بُيِّنَ في مَحِلِّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب