الباحث القرآني

﴿قُلْ أرَأيْتَكُمْ﴾ تَبْكِيتٌ آخَرُ لَهم بِإلْجائِهِمْ إلى الِاعْتِرافِ بِاخْتِصاصِ العَذابِ بِهِمْ. ﴿إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ﴾؛ أيْ: (p-135)عَذابُهُ العاجِلُ الخاصُّ بِكم، كَما أتى مَن قَبْلَكم مِنَ الأُمَمِ. ﴿بَغْتَةً﴾؛ أيْ: فَجْأةً مِن غَيْرِ أنْ يَظْهَرَ مِنهُ مَخايِلُ الإتْيانِ. وَحَيْثُ تَضَمَّنَ هَذا مَعْنى الخُفْيَةِ، قُوبِلَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوْ جَهْرَةً﴾؛ أيْ: بَعْدَ ظُهُورِ أماراتِهِ وعَلائِمِهِ. وقِيلَ: لَيْلًا أوْ نَهارًا، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَياتًا أوْ نَهارًا﴾، لِما أنَّ الغالِبَ فِيما أتى لَيْلًا البَغْتَةُ، وفِيما أتى نَهارًا الجَهْرَةُ. وَقُرِئَ: ( بَغْتَةٍ أوْ جَهْرَةٍ ) وهُما في مَوْضِعِ المَصْدَرِ؛ أيْ: إتْيانَ بَغْتَةٍ، أوْ إتْيانَ جَهْرَةٍ، وتَقْدِيمُ البَغْتَةِ لِكَوْنِها أهْوَلُ وأفْظَعُ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ يُهْلَكُ﴾ مُتَعَلِّقُ الِاسْتِخْبارِ، والِاسْتِفْهامُ لِلتَّقْرِيرِ؛ أيْ: قُلْ لَهم تَقْرِيرًا لَهم بِاخْتِصاصِ الهَلاكِ بِهِمْ: أخْبِرُونِي إنْ أتاكم عَذابُهُ تَعالى حَسْبَما تَسْتَحِقُّونَهُ، هَلْ يُهْلَكُ بِذَلِكَ العَذابِ إلّا أنْتُمْ ؟ أيْ: هَلْ يُهْلَكُ غَيْرُكم مِمَّنْ لا يَسْتَحِقُّهُ، وإنَّما وُضِعَ مَوْضِعَهُ. ﴿إلا القَوْمُ الظّالِمُونَ﴾ تَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ، وإيذانًا بِأنَّ مَناطَ إهْلاكِهِمْ ظُلْمُهُمُ الَّذِي هو وضْعُهُمُ الكُفْرَ مَوْضِعَ الإيمانِ. وَقِيلَ: المُرادُ بِالظّالِمِينَ: الجِنْسُ، وهم داخِلُونَ في الحُكْمِ دُخُولًا أوَّلِيًّا. قالَ الزَّجّاجُ: هَلْ يُهْلَكُ إلّا أنْتُمْ ومَن أشْبَهَكم ؟ ويَأْباهُ تَخْصِيصُ الإتْيانِ بِهِمْ. وَقِيلَ: الِاسْتِفْهامُ بِمَعْنى النَّفْيِ، فَمُتَعَلِّقُ الِاسْتِخْبارِ حِينَئِذٍ مَحْذُوفٌ، كَأنَّهُ قِيلَ: أخْبِرُونِي إنْ أتاكم عَذابُهُ تَعالى بَغْتَةً أوْ جَهْرَةً، ماذا يَكُونُ الحالُ ؟ ثُمَّ قِيلَ بَيانًا لِذَلِكَ: ما يُهْلَكُ إلّا القَوْمُ الظّالِمُونَ؛ أيْ: ما يُهْلَكُ بِذَلِكَ العَذابِ الخاصِّ بِكم إلّا أنْتُمْ، فَمَن قَيَّدَ الهَلاكَ بِهَلاكِ التَّعْذِيبِ والسُّخْطِ، لِتَحْقِيقِ الحَصْرِ بِإخْراجِ غَيْرِ الظّالِمِينَ، لِما أنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ التَّعْذِيبِ والسَّخَطِ، بَلْ بِطَرِيقِ الإثابَةِ ورَفْعِ الدَّرَجَةِ، فَقَدْ أهْمَلَ ما يُجْدِيهِ واشْتَغَلَ بِما لا يَعْنِيهِ، وأخَلَّ بِجَزالَةِ النَّظْمِ الكَرِيمِ، وقُرِئَ: ( هَلْ يَهْلِكُ ) مِنَ الثُّلاثِيِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب