الباحث القرآني

﴿وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ حِكايَةٌ لِبَعْضٍ آخَرَ مِن أباطِيلِهِمْ بَعْدَ حِكايَةِ ما قالُوا في حَقِّ القرآن الكَرِيمِ، وبَيانِ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ. والقائِلُونَ: رُؤَساءُ قُرَيْشٍ، وقِيلَ: الحَرْثُ بْنُ عامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وأصْحابُهُ، ولَقَدْ بَلَغَتْ بِهِمُ الضَّلالَةُ والطُّغْيانُ إلى حَيْثُ لَمْ يَقْتَنِعُوا بِما شاهَدُوا مِنَ البَيِّناتِ الَّتِي تَخِرُّ لَها صُمُّ الجِبالِ، حَتّى اجْتَرَءُوا عَلى ادِّعاءِ أنَّها لَيْسَتْ مِن قَبِيلِ الآياتِ، وإنَّما هي ما اقْتَرَحُوهُ مِنَ الخَوارِقِ المُلْجِئَةِ، أوِ المُعْقِبَةِ لِلْعَذابِ، كَما قالُوا: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِن السَّماءِ ...﴾ الآيَةَ. والتَّنْزِيلُ بِمَعْنى الإنْزالِ، كَما يُنْبِئُ عَنْهُ القِراءَةُ بِالتَّخْفِيفِ فِيما سَيَأْتِي، وما يُفِيدُهُ التَّعَرُّضُ لِعُنْوانِ رُبُوبِيَّتِهِ تَعالى لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ الإشْعارِ بِالعِلِّيَّةِ، إنَّما هو بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ بِالتَّهَكُّمِ مِن جِهَتِهِمْ. وَإطْلاقُ الآيَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ إنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أنْ يُنَزِّلَ آيَةً﴾ مَعَ أنَّ المُرادَ بِها: ما هو مِنَ الخَوارِقِ المَذْكُورَةِ، لا آيَةٌ ما مِنَ الآياتِ؛ لِفَسادِ المَعْنى مُجاراةً مَعَهم عَلى زَعْمِهِمْ. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِها: آيَةٌ مُوجِبَةٌ لِهَلاكِهِمْ، كَإنْزالِ مَلائِكَةِ العَذابِ ونَحْوِهِ، عَلى أنَّ تَنْوِينَها لِلتَّفْخِيمِ والتَّهْوِيلِ، كَما أنَّ إظْهارَ الِاسْمِ الجَلِيلِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ مَعَ ما فِيهِ مِنَ الإشْعارِ بِعِلَّةِ القُدْرَةِ الباهِرَةِ، والِاقْتِصارِ في الجَوابِ عَلى بَيانِ قدرته تعالى عَلى تَنْزِيلِها مَعَ أنَّها لَيْسَتْ في حَيِّزِ الإنْكارِ؛ لِلْإيذانِ بِأنَّ عَدَمَ تَنْزِيلِهِ تَعالى إيّاها مَعَ قدرته عَلَيْهِ لِحِكْمَةٍ بالِغَةٍ يَجِبُ مَعْرِفَتُها، وهم عَنْها غافِلُونَ. كَما يُنْبِئُ عَنْهُ الِاسْتِدْراكُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾؛ أيْ: لَيْسُوا مِن أهْلِ العِلْمِ، عَلى أنَّ المَفْعُولَ مَطْرُوحٌ بِالكُلِّيَّةِ، أوْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا عَلى أنَّهُ مَحْذُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ المَقامِ، والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى أنْ يُنَزِّلَ آيَةً مِن ذَلِكَ، أوْ آيَةً أيَّ آيَةٍ، ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ، فَلا يَدْرُونَ أنَّ عَدَمَ تَنْزِيلِها مَعَ ظُهُورِ قدرته عَلَيْهِ، لِما أنَّ في تَنْزِيلِها قَلْعًا لِأساسِ التَّكْلِيفِ المَبْنِيِّ عَلى قاعِدَةِ الِاخْتِيارِ، أوِ اسْتِئْصالًا لَهم بِالكُلِّيَّةِ، فَيَقْتَرِحُونَها جَهْلًا، ويَتَّخِذُونَ عَدَمَ تَنْزِيلِها ذَرِيعَةً إلى التَّكْذِيبِ. وَتَخْصِيصُ عَدَمِ العِلْمِ بِأكْثَرِهِمْ لِما أنَّ بَعْضَهم واقِفُونَ عَلى حَقِيقَةِ (p-131)الحالِ، وإنَّما يَفْعَلُونَ ما يَفْعَلُونَ مُكابَرَةً وعِنادًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب