الباحث القرآني
﴿وَإنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إعْراضُهُمْ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِتَأْكِيدِ إيجابِ الصَّبْرِ المُسْتَفادِ مِنَ التَّسْلِيَةِ، بِبَيانِ أنَّهُ أمْرٌ لا مَحِيدَ عَنْهُ أصْلًا؛ أيْ: إنْ كانَ عَظُمَ عَلَيْكَ، وشَقَّ إعْراضُهم عَنِ الإيمانِ بِما جِئْتَ بِهِ مِنَ القرآن الكَرِيمِ، حَسْبَما يُفْصِحُ عَنْهُ ما حُكِيَ عَنْهم مِن تَسْمِيَتِهِمْ لَهُ أساطِيرَ الأوَّلِينَ، وتَنائِيهِمْ عَنْهُ ونَهْيِهِمُ النّاسَ عَنْهُ.
وَقِيلَ: إنَّ الحَرْثَ بْنَ عامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ أتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في مَحْضَرٍ مِن قُرَيْشٍ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ؛ ائْتِنا بِآيَةٍ مِن عِنْدِ اللَّهِ كَما كانَتِ الأنْبِياءُ تَفْعَلُ وأنا أُصَدِّقُكَ، فَأبى اللَّهُ أنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ مِمّا اقْتَرَحُوا، فَأعْرَضُوا عَنْ رَسُولِ (p-129)اللَّهِ؛ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، لِما أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ شَدِيدَ الحِرْصِ عَلى إيمانِ قَوْمِهِ، فَكانَ إذا سَألُوا آيَةً يَوَدُّ أنْ يُنْزِلَها اللَّهُ تَعالى طَمَعًا في إيمانِهِمْ؛ فَنَزَلَتْ.
فَقَوْلُهُ تَعالى: " ﴿إعْراضُهُمْ﴾ " مُرْتَفِعٌ بِكَبُرَ، وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلَيْهِ لِما مَرَّ مِرارًا مِنَ الِاهْتِمامِ بِالمُقَدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى أنَّها خَبَرٌ لِكانَ، مُفَسِّرَةٌ لِاسْمِها الَّذِي هو ضَمِيرُ الشَّأْنِ، ولا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ قَدْ.
وَقِيلَ: اسْمُ كانَ إعْراضُهم، وكَبُرَ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى أنَّها خَبَرٌ لَها مُقَدَّمٌ عَلى اسْمِها؛ لِأنَّهُ فِعْلٌ رافِعٌ لِضَمِيرٍ مُسْتَتِرٍ كَما هو المَشْهُورُ.
وَعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنِ اسْتَطَعْتَ ...﴾ إلَخْ شَرْطِيَّةٌ أُخْرى مَحْذُوفَةُ الجَوابِ، وقَعَتْ جَوابًا لِلشَّرْطِ الأوَّلِ، والمَعْنى: إنْ شَقَّ عَلَيْكَ إعْراضُهم عَنِ الإيمانِ بِما جِئْتَ بِهِ مِنَ البَيِّناتِ، وعَدَمُ عَدِّهِمْ لَها مِن قَبِيلِ الآياتِ، وأحْبَبْتَ أنْ تُجِيبَهم إلى ما سَألُوهُ اقْتِراحًا؛ فَإنِ اسْتَطَعْتَ.
﴿أنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا﴾؛ أيْ: سِرْبًا ومَنفَذًا.
﴿فِي الأرْضِ﴾ تَنْفُذُ فِيهِ إلى جَوْفِها.
﴿أوْ سُلَّمًا﴾؛ أيْ: مَصْعَدًا.
﴿فِي السَّماءِ﴾ تَعَرُجُ بِهِ فِيها.
﴿فَتَأْتِيَهُمْ﴾ مِنهُما.
﴿بِآيَةٍ﴾ مِمّا اقْتَرَحُوهُ؛ فافْعَلْ، وقَدْ جُوِّزَ أنْ يَكُونَ ابْتِغاؤُهُما نَفْسَ الإتْيانِ بِالآيَةِ، فالفاءُ في فَتَأْتِيهِمْ حِينَئِذٍ تَفْسِيرِيَّةٌ، وتَنْوِينُ آيَةٍ لِلتَّفْخِيمِ؛ أيْ: فَإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَبْتَغِيَهُما فَتَجْعَلَ ذَلِكَ آيَةً لَهم، فافْعَلْ.
والظَّرْفانِ مُتَعَلِّقانِ بِمَحْذُوفَيْنِ، هُما نَعْتانِ لِنَفَقًا وسُلَّمًا، والأوَّلُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ؛ إذِ النَّفَقُ لا يَكُونُ إلّا في الأرْضِ، أوْ بِتَبْتَغِي.
وَقَدْ جُوِّزَ تَعَلُّقُهُما بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن فاعِلِ تَبْتَغِي؛ أيْ: أنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا كائِنًا أنْتَ في الأرْضِ، أوْ سُلَّمًا كائِنًا في السَّماءِ، وفِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى تَبالُغِ حِرْصِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى إسْلامِ قَوْمِهِ، وتَرامِيهِ إلى حَيْثُ لَوْ قَدَرَ عَلى أنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ مِن تَحْتِ الأرْضِ، أوْ مِن فَوْقِ السَّماءِ لَفَعَلَ؛ رَجاءً لِإيمانِهِمْ، ما لا يَخْفى.
وَإيثارُ الِابْتِغاءِ عَلى الِاتِّخاذِ ونَحْوِهِ؛ لِلْإيذانِ بِأنَّ ما ذُكِرَ مِنَ النَّفَقِ والسُّلَّمِ مِمّا لا يُسْتَطاعُ ابْتِغاؤُهُ، فَكَيْفَ بِاتِّخاذِهِ.
﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهم عَلى الهُدى﴾؛ أيْ: ولَوْ شاءَ اللَّهُ تَعالى أنْ يَجْمَعَهم عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الهُدى لَفَعَلَهُ، بِأنْ يُوَفِّقَهم لِلْإيمانِ فَيُؤْمِنُوا مَعَكم، ولَكِنْ لَمْ يَشَأْ لِعَدَمِ صَرْفِ اخْتِيارِهِمْ إلى جانِبِ الهُدى، مَعَ تَمَكُّنِهِمُ التّامِّ مِنهُ في مُشاهَدَتِهِمْ لِلْآياتِ الدّاعِيَةِ إلَيْهِ، لا أنَّهُ تَعالى لَمْ يُوَفِّقْهم لَهُ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ إلى تَحْصِيلِهِ.
وَقِيلَ: لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهم عَلَيْهِ بِأنْ يَأْتِيَهم بِآيَةٍ مُلْجِئَةٍ إلَيْهِ، ولَكِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ لِخُرُوجِهِ عَنِ الحِكْمَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الجاهِلِينَ﴾ نَهْيٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَمّا كانَ عَلَيْهِ مِنَ الحِرْصِ الشَّدِيدِ عَلى إسْلامِهِمْ، والمَيْلِ إلى إتْيانِ ما يَقْتَرِحُونَهُ مِنَ الآياتِ طَمَعًا في إيمانِهِمْ، مُرَتَّبٌ عَلى بَيانِ عَدَمِ تَعَلُّقِ مَشِيئَتِهِ تَعالى بِهِدايَتِهِمْ، والمَعْنى: وإذا عَرَفْتَ أنَّهُ تَعالى لَمْ يَشَأْ هِدايَتَهم وإيمانَهم بِأحَدِ الوَجْهَيْنِ، فَلا تَكُونَنَّ بِالحِرْصِ الشَّدِيدِ عَلى إسْلامِهِمْ، أوِ المَيْلِ إلى نُزُولِ مُقْتَرَحاتِهِمْ، مِنَ الجاهِلِينَ بِدَقائِقِ شُئُونِهِ تَعالى، الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما ذُكِرَ مِن عَدَمِ تَعَلُّقِ مَشِيئَتِهِ تَعالى بِإيمانِهِمْ؛ أمّا اخْتِيارًا فَلِعَدَمِ تَوَجُّهِهِمْ إلَيْهِ، وأمّا اضْطِرارًا فَلِخُرُوجِهِ عَنِ الحِكْمَةِ التَّشْرِيعِيَّةِ المُؤَسَّسَةِ عَلى الِاخْتِيارِ.
وَيَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالجاهِلِينَ عَلى الوَجْهِ الثّانِي: المُقْتَرِحُونَ، ويُرادَ بِالنَّهْيِ مَنعُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ المُساعَدَةِ عَلى اقْتِراحِهِمْ، وإيرادُهم بِعُنْوانِ الجَهْلِ دُونَ الكُفْرِ ونَحْوِهِ؛ لِتَحْقِيقِ مَناطِ النَّهْيِ الَّذِي هو الوَصْفُ الجامِعُ بَيْنَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وبَيْنَهم.
{"ayah":"وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكَ إِعۡرَاضُهُمۡ فَإِنِ ٱسۡتَطَعۡتَ أَن تَبۡتَغِیَ نَفَقࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ سُلَّمࣰا فِی ٱلسَّمَاۤءِ فَتَأۡتِیَهُم بِـَٔایَةࣲۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمۡ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











