﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾ بِتَأْنِيثِ الفِعْلِ ورَفْعِ " فِتْنَتُهم " عَلى أنَّهُ اسْمٌ لَهُ، والخَبَرُ ﴿إلا أنْ قالُوا﴾ وقُرِئَ بِنَصْبِ ( فِتْنَتَهم ) عَلى أنَّها الخَبَرُ والِاسْمُ، إلّا أنْ قالُوا: والتَّأْنِيثُ لِلْخَبَرِ، كَما في قَوْلِهِمْ: مَن كانَتْ أُمَّكَ ؟ وقُرِئَ بِالتَّذْكِيرِ مَعَ رَفْعِ الفِتْنَةِ ونَصْبِها، ورَفْعُها أنْسَبُ بِحَسَبِ المَعْنى، والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى ما قُدِّرَ عامِلًا في " يَوْمَ نَحْشُرُهم "، كَما أُشِيرَ إلَيْهِ فِيما سَلَفَ، والِاسْتِثْناءُ مُفْرَغٌ مِن أعَمِّ الأشْياءِ.
وَفِتْنَتُهم: إمّا كُفْرُهم، مُرادًا بِهِ: عاقِبَتُهُ؛ أيْ: لَمْ تَكُنْ عاقِبَةُ كُفْرِهِمُ الَّذِي لَزِمُوهُ مُدَّةَ أعْمارِهِمْ وافْتَخَرُوا بِهِ شَيْئًا مِنَ الأشْياءِ، إلّا جُحُودَهُ والتَّبَرُّؤَ مِنهُ، بِأنْ يَقُولُوا: ﴿واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾، وأمّا جَوابُهم عُبِّرَ عَنْهُ بِالفِتْنَةِ؛ لِأنَّهُ كَذِبٌ، ووَصْفُهُ تَعالى بِرُبُوبِيَّتِهِ لَهم لِلْمُبالَغَةِ في التَّبَرُّؤِ مِنَ الإشْراكِ.
وَقُرِئَ بِناءً عَلى النِّداءِ، فَهو لِإظْهارِ الضَّراعَةِ والِابْتِهالِ في اسْتِدْعاءِ قَبُولِ المَعْذِرَةِ، وإنَّما يَقُولُونَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأنَّهُ بِمَعْزِلٍ مِنَ النَّفْعِ، رَأْسًا مِن فَرْطِ الحَيْرَةِ والدَّهْشَةِ، وحَمْلُهُ عَلى مَعْنى: ما كُنّا مُشْرِكِينَ عِنْدَ أنْفُسِنا، وما عَلِمْنا في الدُّنْيا أنّا عَلى خَطَأٍ في مُعْتَقَدِنا، مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُتَوَهَّمَ أصْلًا، فَإنَّهُ يُوهِمُ أنَّ لَهم عُذْرًا.
{"ayah":"ثُمَّ لَمۡ تَكُن فِتۡنَتُهُمۡ إِلَّاۤ أَن قَالُوا۟ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشۡرِكِینَ"}