الباحث القرآني

﴿وَعَلى الَّذِينَ هادُوا﴾ خاصَّةً لا عَلى مَن عَداهم مِنَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ. ﴿حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾؛ أيْ: كُلَّ ما لَهُ أُصْبَعٌ مِنَ الإبِلِ، والسِّباعِ، والطُّيُورِ، وقِيلَ: كُلَّ ذِي مِخْلَبٍ وحافِرٍ، وسُمِّيَ الحافِرُ ظُفُرًا مَجازًا. والمُسَبَّبُ عَنِ الظُّلْمِ هو تَعْمِيمُ التَّحْرِيمِ، حَيْثُ كانَ بَعْضُ ذَواتِ الظُّفُرِ حَلالًا لَهم، فَلَمّا ظَلَمُوا عَمَّ التَّحْرِيمُ كُلَّها، وهَذا تَحْقِيقٌ لِما سَلَفَ مِن حَصْرِ المُحَرَّماتِ، فِيما فُصِلَ بِإبْطالِ ما يُخالِفُهُ مِن فِرْيَةِ اليَهُودِ وتَكْذِيبِهِمْ في ذَلِكَ، فَإنَّهم كانُوا يَقُولُونَ: لَسْنا أوَّلَ مَن حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وإنَّما كانَتْ مُحَرَّمَةً عَلى نُوحٍ وإبْراهِيمَ ومَن بَعْدَهُما، حَتّى انْتَهى الأمْرُ إلَيْنا. ﴿وَمِنَ البَقَرِ والغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما﴾ لا لُحُومَهُما، فَإنَّها باقِيَةٌ عَلى الحِلِّ، والشُّحُومُ الثُّرُوبُ، وشُحُومُ الكُلى، والإضافَةُ لِزِيادَةِ الرَّبْطِ. ﴿إلا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما﴾ اسْتِثْناءٌ مِنَ الشُّحُومِ، ومُخْرَجٌ لِما عَلَقَ مِنَ الشَّحْمِ بِظُهُورِهِما عَنْ حُكْمِ التَّحْرِيمِ. ﴿أوِ الحَوايا﴾ عَطْفٌ عَلى ظُهُورِهِما؛ أيْ: ما حَمَلَتْهُ الحَوايا، وهي جَمْعُ حاوِيَةٍ أوْ حاوِياءَ، كَقاصِعاءَ وقَواصِعَ، أوْ حَوِيَّةٍ، كَسَفِينَةٍ وسَفائِنَ. ﴿أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ عَطْفٌ عَلى ما حَمَلَتْ، وهو شَحْمُ الألْيَةِ، واخْتِلاطُهُ بِالعَظْمِ: اتِّصالُهُ بِعُجْبِ الذَّنَبِ، وقِيلَ: هو كُلُّ شَحْمٍ مُتَّصِلٍ بِالعَظْمِ مِنَ الأضْلاعِ وغَيْرِها. ﴿ذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى الجَزاءِ والتَّحْرِيمِ، فَهو عَلى الأوَّلِ نَصْبٌ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِما بَعْدَهُ، وعَلى الثّانِي عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لَهُ؛ أيْ: ذَلِكَ التَّحْرِيمَ. ﴿جَزَيْناهم بِبَغْيِهِمْ﴾ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ، وهو قَتْلُهُمُ الأنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وأكْلُهُمُ الرِّبا وقَدْ نُهُوا عَنْهُ، وأكْلُهم أمْوالَ النّاسِ بِالباطِلِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾، وكانُوا كُلَّما أتَوْا بِمَعْصِيَةٍ، عُوقِبُوا بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مِمّا أُحِلُّ لَهم، وهم يُنْكِرُونَ ذَلِكَ ويَدَّعُونَ أنَّها لَمْ تَزَلْ مُحَرَّمَةً عَلى الأُمَمِ. فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وأكَّدَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنّا لَصادِقُونَ﴾؛ أيْ: في جَمِيعِ أخْبارِنا الَّتِي مِن جُمْلَتِها هَذا الخَبَرُ، ولَقَدْ ألْقَمَهُمُ الحَجَرَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلا لِبَنِي إسْرائِيلَ إلا ما حَرَّمَ إسْرائِيلَ عَلى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فاتْلُوها إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ . رُوِيَ أنَّهُ ﷺ لَمّا قالَ لَهم ذَلِكَ بُهِتُوا، ولَمْ يَجْسُرُوا أنْ (p-196)يُخْرِجُوا التَّوْراةَ، وكَيْفَ وقَدْ بُيِّنَ فِيها جَمِيعُ ما يَحْذَرُونَ أوْضَحَ بَيانٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب