الباحث القرآني
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾ كَلامٌ مُبْتَدَأٌ مَسُوقٌ لِتَسْلِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَمّا كانَ يُشاهِدُهُ مِن عَداوَةِ قُرَيْشٍ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وما بَنَوْا عَلَيْها مِمّا لا خَيْرَ فِيهِ مِنَ الأقاوِيلِ والأفاعِيلِ، بِبَيانِ أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِكَ، بَلْ هو أمْرٌ ابْتُلِيَ بِهِ كُلُّ مَن سَبَقَكَ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وَمَحَلُّ الكافِ النَّصْبُ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أُشِيرَ إلَيْهِ بِذَلِكَ، مَنصُوبٌ بِفِعْلِهِ المَحْذُوفِ، مُؤَكِّدٌ لِما بَعْدَهُ، وذَلِكَ إشارَةٌ إلى ما يُفْهَمُ مِمّا قَبْلَهُ؛ أيْ: جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا.
والتَّقْدِيمُ عَلى الفِعْلِ المَذْكُورِ لِلْقَصْرِ المُفِيدِ لِلْمُبالَغَةِ؛ أيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الجَعْلِ الَّذِي جَعَلْنا في حَقِّكَ، حَيْثُ جَعَلْنا لَكَ عَدُوًّا يُضادُّونَكَ ويُضارُّونَكَ ولا يُؤْمِنُونَ، ويَبْغُونَكَ الغَوائِلَ ويُدَبِّرُونَ في إبْطالِ أمْرِكَ مَكايِدَ، جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ تَقَدَّمَكَ عَدُوًّا فَعَلُوا بِهِمْ ما فَعَلَ بِكَ أعْداؤُكَ، لا جَعْلًا أنْقَصَ مِنهُ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ عَداوَةَ الكَفَرَةِ لِلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، بِخَلْقِهِ تَعالى، لِلِابْتِلاءِ.
﴿شَياطِينَ الإنْسِ والجِنِّ﴾؛ أيْ: مَرَدَةَ الفَرِيقَيْنِ، عَلى أنَّ الإضافَةَ بِمَعْنى " مِنِ " البَيانِيَّةِ.
وَقِيلَ: هي إضافَةُ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ، والأصْلُ: الإنْسُ، والجِنُّ: الشَّياطِينُ. وقِيلَ: هي بِمَعْنى اللّامِ؛ أيِ: الشَّياطِينُ الَّتِي لِلْإنْسِ والَّتِي لِلْجِنِّ، وهو بَدَلٌ مِن " ﴿عَدُوًّا﴾ " .
والجَعْلُ مُتَعَدٍّ إلى واحِدٍ، أوْ إلى اثْنَيْنِ، وهو أوَّلُ مَفْعُولَيْهِ، قُدِّمَ عَلَيْهِ الثّانِي مُسارَعَةً إلى بَيانِ العَداوَةِ، واللّامُ عَلى التَّقْدِيرَيْنِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالجَعْلِ، أوْ بِمَحْذُوفٍ هو حالٌ مِن " عَدُوًّا " .
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُوحِي بَعْضُهم إلى بَعْضٍ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ أحْكامِ عَداوَتِهِمْ، وتَحْقِيقِ وجْهِ الشَّبَهِ بَيْنَ المُشَبَّهِ والمُشَبَّهِ بِهِ، أوْ حالٌ مِنَ الشَّياطِينِ، أوْ نَعْتٌ لِعَدُوًّا، وجَمْعُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبارِ المَعْنى، فَإنَّهُ عِبارَةٌ عَنِ الأعْداءِ، كَما في قَوْلِهِ:
إذا أنا لَمْ أنْفَعْ صَدِيقِي بِوُدِّهِ ... فَإنَّ عَدُوِّي لَمْ يَضُرَّهُمُو بُغْضِي
والوَحْيُ: عِبارَةٌ عَنِ الإيماءِ والقَوْلِ السَّرِيعِ؛ أيْ: يُلْقِي (p-176)وَيُوَسْوِسُ شَياطِينُ الجِنِّ إلى شَياطِينِ الإنْسِ، أوْ بَعْضُ كُلٍّ مِنَ الفَرِيقَيْنِ إلى بَعْضٍ آخَرَ.
﴿زُخْرُفَ القَوْلِ﴾؛ أيِ: المُمَوَّهَ مِنهُ، المُزَيَّنَ ظاهِرُهُ، الباطِلَ باطِنُهُ، مِن زُخْرُفِهِ: إذْ زَيَّنَهُ.
﴿غُرُورًا﴾ مَفْعُولٌ لَهُ، لِيُوحِيَ؛ أيْ: لِيَغُرَّهم، أوْ مَصْدَرٌ في مَوْقِعِ الحالِ؛ أيْ: غارِّينَ، أوْ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ هو حالٌ مِن فاعِلِ يُوحِي؛ أيْ: يَغُرُّونَ غُرُورًا.
﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ﴾ رُجُوعٌ إلى بَيانِ الشُّؤُونِ الجارِيَةِ بَيْنَهُ ﷺ وبَيْنَ قَوْمِهِ، المَفْهُومَةِ مِن حِكايَةِ ما جَرى بَيْنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وبَيْنَ أُمَمِهِمْ، كَما يُنْبِئُ عَنْهُ الِالتِفاتُ، والتَّعَرُّضُ لِوَصْفِ الربوبية مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِهِ ﷺ المُعْرِبَةِ عَنْ كَمالِ اللُّطْفِ في التَّسْلِيَةِ؛ أيْ: ولَوْ شاءَ رَبُّكَ عَدَمَ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ لا إيمانَهم، كَما قِيلَ: فَإنَّ القاعِدَةَ المُسْتَمِرَّةَ أنَّ مَفْعُولَ المَشِيئَةِ إنَّما يُحْذَفُ عِنْدَ وُقُوعِها شَرْطًا.
وَكَوْنِ مَفْعُولِها مَضْمُونَ الجَزاءِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما فَعَلُوهُ﴾؛ أيْ: ما فَعَلُوا ما ذُكِرَ مِن عَداوَتِكَ، وإيحاءِ بَعْضِهِمْ إلى بَعْضٍ مُزَخْرَفاتِ الأقاوِيلِ الباطِلَةِ، المُتَعَلِّقَةِ بِأمْرِكَ خاصَّةً، لا بِما يَعُمُّهُ وأُمُورَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أيْضًا كَما قِيلَ.
فَإنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَذَرْهم وما يَفْتَرُونَ﴾ صَرِيحٌ في أنَّ المُرادَ بِهِمُ: الكَفَرَةُ المُعاصِرُونَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ أيْ: إذا كانَ ما فَعَلُوهُ مِن أحْكامِ عَداوَتِكَ مِن فُنُونِ المَفاسِدِ بِمَشِيئَتِهِ تَعالى فاتْرُكْهم، وافْتِراءَهم أوْ وما يَفْتَرُونَهُ مِن أنْواعِ المَكايِدِ؛ فَإنَّ لَهم في ذَلِكَ عُقُوباتٍ شَدِيدَةً، ولَكَ عَواقِبُ حَمِيدَةٌ، لِابْتِناءِ مَشِيئَتِهِ تَعالى عَلى الحِكَمِ البالِغَةِ البَتَّةَ.
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوࣰّا شَیَـٰطِینَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ یُوحِی بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضࣲ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا یَفۡتَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق