الباحث القرآني
﴿بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾؛ أيْ: مُبْدِعُهُما ومُخْتَرِعُهُما بِلا مِثالٍ يَحْتَذِيهِ ولا قانُونٍ يَنْتَحِيهِ، فَإنَّ البَدِيعَ كَما يُطْلَقُ عَلى المُبْدِعِ، نَصَّ عَلَيْهِ أئِمَّةُ اللُّغَةِ كالصَّرِيخِ بِمَعْنى المُصْرِخِ، وقَدْ جاءَ بَدَعَهُ كَمَنَعَهُ بِمَعْنى: أنْشَأهُ، كابْتَدَعَهُ عَلى ما ذُكِرَ في القامُوسِ وغَيْرِهِ، ونَظِيرُهُ: السَّمِيعُ بِمَعْنى المُسْمِعِ في قَوْلِهِ:
أمِن رَيْحانَةَ الدّاعِي السَّمِيعُ
وَقِيلَ: هو مِن إضافَةِ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ إلى الفاعِلِ، لِلتَّخْفِيفِ بَعْدَ نَصْبِهِ تَشْبِيهًا لَها بِاسْمِ الفاعِلِ، كَما هو المَشْهُورُ؛ أيْ: بَدِيعُ سَماواتِهِ وأرْضِهِ مِن بَدَعَ، إذا كانَ عَلى نَمَطٍ عَجِيبٍ، وشَكْلٍ فائِقٍ، وحُسْنٍ رائِقٍ، أوْ إلى الظَّرْفِ كَما في قَوْلِهِمْ: ثَبَتَ الغَدْرُ بِمَعْنى: أنَّهُ عَدِيمُ النَّظِيرِ فِيهِما. والأوَّلُ هو الوَجْهُ، والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى مُبْدِعٌ لِقُطْرَيِ العالَمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ بِلا مادَّةِ فاعِلٍ عَلى الإطْلاقِ، مُنَزَّهٍ عَنْ الِانْفِعالِ بِالمَرَّةِ، والوالِدُ عُنْصُرُ الوَلَدِ مُنْفَعِلٌ (p-169)بِانْتِقالِ مادَّتِهِ عَنْهُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ.
وَقُرِئَ: ( بَدِيعَ ) بِالنَّصْبِ عَلى المَدْحِ، وبِالجَرِّ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الِاسْمِ الجَلِيلِ، أوْ مِنَ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ في " سُبْحانَهُ " عَلى رَأْيِ مَن يُجِيزُهُ، وارْتِفاعُهُ في القِراءَةِ المَشْهُورَةِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أوْ فاعِلُ " تَعالى "، وإظْهارُهُ في مَوْضِعِ الإضْمارِ لِتَعْلِيلِ الحُكْمِ، وتَوْسِيطُ الظَّرْفِ بَيْنَهُ وبَيْنَ الفِعْلِ لِلِاهْتِمامِ بِبَيانِهِ.
أوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنّى يَكُونُ لَهُ ولَدٌ﴾ وهو عَلى الأوَّلَيْنِ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، مَسُوقَةٌ كَما قَبْلَها لِبَيانِ اسْتِحالَةِ ما نَسَبُوهُ إلَيْهِ تَعالى، وتَقْرِيرِ تَنَزُّهِهِ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ﴾ حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلِاسْتِحالَةِ المَذْكُورَةِ، فَإنَّ انْتِفاءَ أنْ يَكُونَ لَهُ تَعالى صاحِبَةٌ مُسْتَلْزِمٌ لِانْتِفاءِ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ، ضَرُورَةَ اسْتِحالَةِ وُجُودِ الوَلَدِ بِلا والِدَةٍ، وإنْ أمْكَنَ وُجُودُهُ بِلا والِدٍ، وانْتِفاءُ الأوَّلِ مِمّا لا رَيْبَ فِيهِ لِأحَدٍ، فَمِن ضَرُورَتِهِ انْتِفاءُ الثّانِي؛ أيْ: مِن أيْنَ ؟ أوْ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ ولَدٌ ؟ كَما زَعَمُوا، والحالُ أنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلى زَعْمِهِمْ أيْضًا صاحِبَةٌ يَكُونُ الوَلَدُ مِنها.
وَقُرِئَ: ( لَمْ يَكُنْ ) بِتَذْكِيرِ الفِعْلِ لِلْفَصْلِ، أوْ لِأنَّ الِاسْمَ ضَمِيرُهُ تَعالى، والخَبَرُ هو الظَّرْفُ، وصاحِبَةٌ مُرْتَفِعٌ بِهِ عَلى الفاعِلِيَّةِ لِاعْتِمادِهِ عَلى المُبْتَدَأِ، أوِ الظَّرْفُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وصاحِبَةٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، والجُمْلَةُ خَبَرٌ لِلْكَوْنِ، وعَلى هَذا الوَجْهِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الِاسْمُ ضَمِيرَ الشَّأْنِ، لِصَلاحِيَةِ الجُمْلَةِ حِينَئِذٍ لِأنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً لِضَمِيرِ الشَّأْنِ، لا عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ لِما بُيِّنَ في مَوْضِعِهِ أنَّ ضَمِيرَ الشَّأْنِ لا يُفَسَّرُ إلّا بِجُمْلَةٍ صَرِيحَةٍ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ إمّا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ أُخْرى سِيقَتْ لِتَحْقِيقِ ما ذُكِرَ مِنَ الِاسْتِحالَةِ، أوْ حالٌ أُخْرى مُقَرِّرَةٌ لَها؛ أيْ: أنّى يَكُونُ لَهُ ولَدٌ ؟ والحالُ أنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ انْتَظَمَهُ التَّكْوِينُ، والإيجادُ مِنَ المَوْجُوداتِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما سَمَّوْهُ ولَدًا لَهُ تَعالى، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أنْ يَكُونَ المَخْلُوقُ ولَدًا لِخالِقِهِ.
﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ مِن شَأْنِهِ أنْ يُعْلَمَ كائِنًا ما كانَ، مَخْلُوقًا أوْ غَيْرَ مَخْلُوقٍ، كَما يُنْبِئُ عَنْهُ تَرْكُ الإضْمارِ إلى الإظْهارِ.
﴿عَلِيمٌ﴾ مُبالِغٌ في العِلْمِ أزَلًا وأبَدًا حَسْبَما يُعْرِبُ عَنْهُ العُدُولُ إلى الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، فَلا يَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ مِمّا كانَ وما سَيَكُونُ، مِنَ الذَّواتِ والصِّفاتِ والأحْوالِ، الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما يَجُوزُ عَلَيْهِ تَعالى وما لا يَجُوزُ مِنَ المُحالاتِ الَّتِي ما زَعَمُوهُ فَرْدٌ مِن أفْرادِها، والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَها مِنَ الدَّلائِلِ القاطِعَةِ بِبُطْلانِ مَقالَتِهِمُ الشَّنْعاءِ الَّتِي اجْتَرَءُوا عَلَيْها بِغَيْرِ عِلْمٍ.
{"ayah":"بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ یَكُونُ لَهُۥ وَلَدࣱ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَـٰحِبَةࣱۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَیۡءࣲۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق