الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَرى الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ بَيانٌ لِكَيْفِيَّةِ تَوَلِّيهِمْ وإشْعارٌ بِسَبَبِهِ، وبِما يَئُولُ إلَيْهِ أمْرُهم، والفاءُ لِلْإيذانِ بِتَرَتُّبِهِ عَلى عَدَمِ الهِدايَةِ، والخِطابُ إمّا لِلرَّسُولِ ﷺ بِطَرِيقِ التَّلْوِينِ، وإمّا لِكُلِّ أحَدٍ مِمَّنْ لَهُ أهْلِيَّةٌ لَهُ، وفِيهِ مَزِيدُ تَشْنِيعٍ لِلتَّشْنِيعِ؛ أيْ: لا يَهْدِيهِمْ بَلْ يَذَرُهم وشَأْنَهم فَتَراهم ... إلَخْ. وإنَّما وُضِعَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ المَوْصُولِ؛ لِيُشارَ بِما في حَيِّزِ صِلَتِهِ إلى أنَّ ما ارْتَكَبُوهُ مِنَ التَّوَلِّي بِسَبَبِ ما في قُلُوبِهِمْ مِنَ مَرَضِ النِّفاقِ، ورَخاوَةِ العَقْدِ في الدِّينِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُسارِعُونَ فِيهِمْ﴾ حالٌ مِنَ المَوْصُولِ والرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ، وقِيلَ: مَفْعُولٌ ثانٍ والرُّؤْيَةُ قَلْبِيَّةٌ، والأوَّلُ هو الأنْسَبُ بِظُهُورِ نِفاقِهِمْ؛ أيْ: تَراهم مُسارِعِينَ في مُوالاتِهِمْ، وإنَّما قِيلَ: " فِيهِمْ "، مُبالَغَةً في بَيانِ رَغْبَتِهِمْ فِيها وتَهالُكِهِمْ عَلَيْها. وإيثارُ كَلِمَةِ " في " عَلى كَلِمَةِ " إلى " لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم مُسْتَقِرُّونَ في المُوالاةِ، وإنَّما مُسارَعَتُهم مِن بَعْضِ مَراتِبِها إلى بَعْضٍ آخَرَ مِنها، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ يُسارِعُونَ في الخَيْراتِ﴾ لا أنَّهم خارِجُونَ عَنْها مُتَوَجِّهُونَ إلَيْها، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَسارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكم وجَنَّةٍ﴾ .
وَقُرِئَ: ( فَيُرِي ) بِياءِ الغَيْبَةِ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ سُبْحانَهُ. وقِيلَ: لِمَن تَصِحُّ مِنهُ الرُّؤْيَةُ. وقِيلَ: الفاعِلُ هو المَوْصُولُ والمَفْعُولُ هو الجُمْلَةُ عَلى حَذْفِ أنِ المَصْدَرِيَّةِ والرُّؤْيَةُ قَلْبِيَّةٌ؛ أيْ: ويَرى القَوْمُ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أنْ يُسارِعُوا فِيهِمْ؛ فَلَمّا حُذِفَتْ أنْ (p-49)انْقَلَبَ الفِعْلُ مَرْفُوعًا، كَما في قَوْلِ مَن قالَ:
؎ ألا أيُّهَذا الزّاجِرِي أحْضُرَ الوَغى
والمُرادُ بِهِمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وأضْرابُهُ الَّذِينَ كانُوا يُسارِعُونَ في مُوادَّةِ اليَهُودِ ونَصارى نَجْرانَ، وكانُوا يَعْتَذِرُونَ إلى المُؤْمِنِينَ بِأنَّهم لا يَأْمَنُونَ أنْ تُصِيبَهم صُرُوفُ الزَّمانِ.
وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَقُولُونَ نَخْشى أنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ﴾ وهو حالٌ مِن ضَمِيرِ " يُسارِعُونَ "، والدّائِرَةُ مِنَ الصِّفاتِ الغالِبَةِ الَّتِي لا يُذْكَرُ مَعَها مَوْصُوفُها؛ أيْ: تَدُورُ عَلَيْنا دائِرَةٌ مِن دَوائِرِ الدَّهْرِ، ودَوْلَةٌ مِن دُوَلِهِ بِأنْ يَنْقَلِبَ الأمْرُ وتَكُونَ الدَّوْلَةُ لِلْكُفّارِ. وقِيلَ: نَخْشى أنْ يُصِيبَنا مَكْرُوهٌ مِن مَكارِهِ الدَّهْرِ، كالجَدْبِ والقَحْطِ، فَلا يُعْطُونا المِيرَةَ والقَرْضَ.
رُوِيَ أنَّ عُبادَةَ بْنَ الصّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، قالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إنَّ لِي مَوالِيَ مِنَ اليَهُودِ كَثِيرًا عَدَدُهم، وإنِّي أبْرَأُ إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ مِن ولايَتِهِمْ، وأُوالِي اللَّهَ ورَسُولَهُ، فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: إنِّي رَجُلٌ أخافُ الدَّوائِرَ، لا أبْرَأُ مِن وِلايَةِ مَوالِيَّ وهم يَهُودُ بَنِي قَيْنُقاعَ، ولَعَلَّهُ يُظْهِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ أنَّهُ يُرِيدُ بِالدَّوائِرِ المَعْنى الأخِيرَ، ويُضْمِرُ في نَفْسِهِ المَعْنى الأوَّلَ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَعَسى اللَّهُ أنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ﴾ رَدٌّ مِن جِهَةِ اللَّهِ تَعالى لِعِلَلِهِمُ الباطِلَةِ، وقَطْعٌ لِأطْماعِهِمُ الفارِغَةِ، وتَبْشِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالظَّفَرِ، فَإنَّ " عَسى " مِنهُ سُبْحانَهُ وعْدٌ مَحْتُومٌ، لِما أنَّ الكَرِيمَ إذا أطْمَعَ أطْعَمَ لا مَحالَةَ، فَما ظَنُّكَ بِأكْرَمِ الأكْرَمِينَ. و" أنْ " يَأْتِيَ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ " عَسى "، وهو رَأْيُ الأخْفَشِ، أوْ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وهو رَأْيُ سِيبَوَيْهِ؛ لِئَلّا يَلْزَمَ الإخْبارُ عَنِ الجُثَّةِ بِالحَدَثِ، كَما في قَوْلِكَ: عَسى زَيْدٌ أنْ يَقُومَ. والمُرادُ بِالفَتْحِ: فَتْحُ مَكَّةَ، قالَهُ الكَلْبِيُّ والسُّدِّيُّ. وقالَ الضَّحّاكُ: فَتْحُ قُرى اليَهُودِ مِن خَيْبَرَ وفَدَكَ. وقالَ قَتادَةُ ومُقاتِلٌ: هو القَضاءُ الفَصْلُ بِنَصْرِهِ ﷺ عَلى مَن خالَفَهُ وإعْزازِ الدِّينِ.
﴿أوْ أمْرٍ مِن عِنْدِهِ﴾ بِقَطْعِ شَأْفَةِ اليَهُودِ مِنَ القَتْلِ والإجْلاءِ.
﴿فَيُصْبِحُوا﴾؛ أيْ: أُولَئِكَ المُنافِقُونَ المُتَعَلِّلُونَ بِما ذُكِرَ، وهو عَطْفٌ عَلى " يَأْتِي " داخِلٌ مَعَهُ في حَيِّزِ خَبَرِ عَسى، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلى اسْمِها، فَإنَّ فاءَ السَّبَبِيَّةِ مُغْنِيَةٌ عَنْ ذَلِكَ، فَإنَّها تَجْعَلُ الجُمْلَتَيْنِ جُمْلَةً واحِدَةً.
﴿عَلى ما أسَرُّوا في أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ﴾ وهو ما كانُوا يَكْتُمُونَهُ في أنْفُسِهِمْ مِنَ الكُفْرِ، والشَّكِّ في أمْرِهِ ﷺ، وتَعْلِيقُ النَّدامَةِ بِهِ، لا بِما كانُوا يُظْهِرُونَهُ مِن مُوالاةِ الكُفْرِ، لِما أنَّهُ الَّذِي كانَ يَحْمِلُهم عَلى المُوالاةِ ويُغْرِيهِمْ عَلَيْها، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى نَدامَتِهِمْ عَلَيْها بِأصْلِها وسَبَبِها.
{"ayah":"فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق