الباحث القرآني

﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ﴾ تَعْجِيبٌ مِن تَحْكِيمِهِمْ لِمَن لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وبِكِتابِهِ، والحالُ أنَّ الحُكْمَ مَنصُوصٌ عَلَيْهِ في كِتابِهِمُ الَّذِي يَدَّعُونَ الإيمانَ بِهِ، وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّهم ما قَصَدُوا بِالتَّحْكِيمِ مَعْرِفَةَ الحَقِّ وإقامَةَ الشَّرْعِ، وإنَّما طَلَبُوا بِهِ ما هو أهْوَنُ عَلَيْهِمْ، وإنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمَ اللَّهِ عَلى زَعْمِهِمْ، فَقَوْلُهُ تَعالى: " ﴿وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ﴾ " حالٌ مِن فاعِلِ " يُحَكِّمُونَكَ "، وقَوْلُهُ تَعالى: " ﴿فِيها حُكْمُ اللَّهِ﴾ " حالٌ مِنَ " التَّوْراةِ "، إنْ جُعِلَتْ مُرْتَفِعَةً بِالظَّرْفِ، وإنْ جُعِلَتْ مُبْتَدَأً فَهو حالٌ مِن ضَمِيرِها المُسْتَكِنِّ في الخَبَرِ. وقِيلَ: اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ أنَّ عِنْدَهم ما يُغْنِيهِمْ عَنِ التَّحْكِيمِ، وتَأْنِيثُها لِكَوْنِها نَظِيرَةَ المُؤَنَّثِ في كَلامِهِمْ، كَمَوْماةٍ ودَوْداةٍ. ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ﴾ عَطْفٌ عَلى " ﴿يُحَكِّمُونَكَ﴾ " داخِلٌ في حُكْمِ التَّعْجِيبِ، و" ﴿ثُمَّ﴾ " لِلتَّراخِي في الرُّتْبَةِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾؛ أيْ: مِن بَعْدِ ما حَكَّمُوكَ، تَصْرِيحٌ بِما عُلِمَ قَطْعًا لِتَأْكِيدِ الِاسْتِبْعادِ والتَّعْجِيبِ؛ أيْ: ثُمَّ يُعْرِضُونَ عَنْ حُكْمِكَ المُوافِقِ لِكِتابِهِمْ مِن بَعْدِ ما رَضَوْا بِحُكْمِكَ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أُولَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ﴾ تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِفَحْوى ما قَبْلَهُ، ووُضِعَ اسْمُ الإشارَةِ مَوْضِعَ ضَمِيرِ هم لِلْقَصْدِ إلى إحْضارِهِمْ في الذِّهْنِ بِما وُصِفُوا بِهِ مِنَ القَبائِحِ؛ إيماءً إلى عِلَّةِ الحُكْمِ وإلى أنَّهم قَدْ تَمَيَّزُوا بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِمْ أكْمَلَ تَمْيِيزٍ، حَتّى انْتَظَمُوا في سِلْكَ الأُمُورِ المُشاهَدَةِ، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإيذانِ بِبُعْدِ دَرَجَتِهِمْ في العُتُوِّ والمُكابَرَةِ؛ أيْ: وما أُولَئِكَ المَوْصُوفُونَ بِما ذُكِرَ بِالمُؤْمِنِينَ؛ أيْ: بِكِتابِهِمْ لِإعْراضِهِمْ عَنْهُ أوَّلًا، وعَنْ حُكْمِكَ المُوافِقِ لَهُ ثانِيًا، أوْ بِهِما. وقِيلَ: وما أُولَئِكَ بِالكامِلِينَ في الإيمانِ، تَهَكُّمًا بِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب