الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما قُلْتُ لَهم إلا ما أمَرْتَنِي بِهِ﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ ما صَدَرَ عَنْهُ، قَدْ أُدْرِجَ فِيهِ عَدَمُ صُدُورِ القَوْلِ المَذْكُورِ عَنْهُ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وآكَدِهِ، حَيْثُ حُكِمَ بِانْتِفاءِ صُدُورِ جَمِيعِ الأقْوالِ المُغايِرَةِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، فَدَخَلَ فِيهِ انْتِفاءُ صُدُورِ القَوْلِ المَذْكُورِ دُخُولًا أوَّلِيًّا؛ أيْ: ما أمَرْتُهم إلّا بِما أمَرْتَنِي بِهِ، وإنَّما قِيلَ: ما قُلْتُ لَهم نُزُولًا عَلى قَضِيَّةِ حُسْنِ الأدَبِ، ومُراعاةً لِما ورَدَ في الِاسْتِفْهامِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ﴾ تَفْسِيرٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ. وقِيلَ: عَطْفُ بَيانٍ لِلضَّمِيرِ في بِهِ. وقِيلَ: بَدَلٌ مِنهُ، ولَيْسَ مِن شَرْطِ البَدَلِ جَوازُ طَرْحِ المُبْدَلِ مِنهُ مُطْلَقًا، لِيَلْزَمَ بَقاءُ المَوْصُولِ بِلا عائِدٍ. وقِيلَ: خَبَرٌ مُضْمَرٌ أوْ مَفْعُولُهُ، مِثْلَ: هو، أوْ أعْنِي. ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ رَقِيبًا أُراعِي أحْوالَهم، وأحْمِلُهم عَلى العَمَلِ بِمُوجِبِ أمْرِكَ، وأمْنَعُهم عَنِ المُخالَفَةِ، أوْ مُشاهِدًا لِأحْوالِهِمْ مِن كُفْرٍ وإيمانٍ. ﴿ما دُمْتُ فِيهِمْ﴾ ما: مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ تُقَدَّرُ بِمَصْدَرٍ مُضافٍ إلَيْهِ زَمانٌ، و" دُمْتُ " صِلَتُها؛ أيْ: كُنْتُ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مُدَّةَ دَوامِي فِيما بَيْنَهم. ﴿فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي﴾ بِالرَّفْعِ إلى السَّماءِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنِّي مُتَوَفِّيكَ ورافِعُكَ إلَيَّ﴾، فَإنَّ التَّوَفِّيَ: أخْذُ الشَّيْءِ وافِيًا، والمَوْتُ نَوْعٌ مِنهُ، قالَ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها والَّتِي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها﴾ . ﴿كُنْتَ أنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ لا غَيْرُكَ، فَأنْتَ ضَمِيرُ الفَصْلِ أوْ تَأْكِيدٌ، وقُرِئَ: ( الرَّقِيبُ ) بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ " أنْتَ " . والجُمْلَةُ خَبَرٌ لَكانَ، وعَلَيْهِمْ (p-102)مُتَعَلِّقٌ بِهِ؛ أيْ: أنْتَ كُنْتَ الحافِظَ لِأعْمالِهِمْ والمُراقِبَ، فَمَنَعْتَ مَن أرَدْتَ عِصْمَتَهُ عَنِ المُخالَفَةِ بِالإرْشادِ إلى الدَّلائِلِ، والتَّنْبِيهِ عَلَيْها بِإرْسالِ الرُّسُلِ وإنْزالِ الآياتِ، وخَذَلْتَ مَن خَذَلْتَ مِنَ الضّالِّينَ فَقالُوا ما قالُوا. ﴿وَأنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ، وفِيهِ إيذانٌ بِأنَّهُ تَعالى كانَ هو الشَّهِيدَ عَلى الكُلِّ، حِينَ كَوْنِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيما بَيْنَهم، و" عَلى " مُتَعَلِّقَةٌ بِشَهِيدٍ، والتَّقْدِيمُ لِمُراعاةِ الفاصِلَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب