﴿قالُوا﴾ اسْتِئْنافٌ كَما سَبَقَ.
﴿نُرِيدُ أنْ نَأْكُلَ مِنها﴾ تَمْهِيدُ عُذْرٍ وبَيانٌ لِما دَعاهم إلى السُّؤالِ؛ أيْ: لَسْنا نُرِيدُ بِالسُّؤالِ إزاحَةَ شُبْهَتِنا في قدرته سُبْحانَهُ عَلى تَنْزِيلِها، أوْ في صِحَّةِ نُبُوَّتِكَ حَتّى يَقْدَحَ ذَلِكَ في الإيمانِ والتَّقْوى، بَلْ نُرِيدُ أنْ نَأْكُلَ مِنها؛ أيْ: أكْلَ تَبَرُّكٍ، وقِيلَ: أكْلَ حاجَةٍ وتَمَتُّعٍ.
﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا﴾ بِكَمالِ قدرته تعالى وإنْ كُنّا مُؤْمِنِينَ بِهِ مِن قَبْلُ، فَإنَّ انْضِمامَ عِلْمِ المُشاهَدَةِ إلى العِلْمِ الِاسْتِدْلالِيِّ مِمّا يُوجِبُ ازْدِيادَ الطُّمَأْنِينَةِ وقُوَّةَ اليَقِينِ.
﴿وَنَعْلَمَ﴾؛ أيْ: عِلْمًا يَقِينِيًّا، لا يَحُومُ حَوْلَهُ شائِبَةُ شُبْهَةٍ أصْلًا. وقُرِئَ: ( لِيُعْلَمَ ) عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ.
﴿أنْ قَدْ صَدَقْتَنا﴾ " أنْ " هي المُخَفَّفَةُ مِنَ أنَّ، وضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: ونَعْلَمَ أنَّهُ قَدْ صَدَقْتَنا في دَعْوى النُّبُوَّةِ، وأنَّ اللَّهَ يُجِيبُ دَعْوَتَنا وإنْ كُنّا عالِمِينَ بِذَلِكَ مِن قَبْلُ.
﴿وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ نَشْهَدُ عَلَيْها عِنْدَ الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرُوها مِن بَنِي إسْرائِيلَ؛ لِيَزْدادَ المُؤْمِنُونَ مِنهم بِشَهادَتِنا طُمَأْنِينَةً ويَقِينًا، ويُؤْمِنَ بِسَبَبِها كُفّارُهم، أوْ مِنَ الشّاهِدِينَ لِلْعَيْنِ دُونَ السّامِعِينَ لِلْخَبَرِ.
وَ" عَلَيْها " مُتَعَلِّقٌ بِالشّاهِدِينَ إنْ جُعِلَ اللّامُ لِلتَّعْرِيفِ، وبَيانٌ لِما يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ (p-98)إنْ جُعِلَتْ مَوْصُولَةً، كَأنَّهُ قِيلَ: عَلى أيِّ شَيْءٍ يَشْهَدُونَ ؟ فَقِيلَ: عَلَيْها، فَإنَّ ما يَتَعَلَّقُ بِالصِّلَةِ لا يَتَقَدَّمُ عَلى المَوْصُولِ، أوْ هو حالٌ مِنِ اسْمِ كانَ، أوْ هو مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ " مِنَ الشّاهِدِينَ " .
{"ayah":"قَالُوا۟ نُرِیدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَىِٕنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَیۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ"}