الباحث القرآني
﴿واعْلَمُوا (p-119)أنَّ فِيكم رَسُولَ اللَّهِ﴾ أنَّ بِما في حَيِّزِها سادٌّ مَسَدَّ مَفْعُولَيِ "اعْلَمُوا" بِاعْتِبارِ ما بَعْدَهُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَوْ يُطِيعُكم في كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ فَإنَّهُ حالٌ مِن أحَدِ الضَّمِيرَيْنِ في "فِيكُمْ" والمَعْنى: أنَّ فِيكم رَسُولَ اللَّهِ كائِنًا عَلى حالَةٍ يَجِبُ عَلَيْكم تَغْيِيرُها أوْ كائِنِينَ عَلى حالَةٍ ...إلَخْ وهي أنَّكم تُرِيدُونَ أنْ يَتْبَعَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ رَأْيَكم في كَثِيرٍ مِنَ الحَوادِثِ ولَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَوَقَعْتُمْ في الجَهْدِ والهَلاكِ، وفِيهِ إيذانٌ بِأنَّ بَعْضَهم زَيَّنُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ الإيقاعَ بِبَنِي المُصْطَلِقِ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الوَلِيدِ وأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يُطِعْ رَأْيَهُمْ، وأمّا صِيغَةُ المُضارِعِ فَقَدْ قِيلَ إنَّها لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ امْتِناعَ عَنَتِهِمْ لِامْتِناعِ اسْتِمْرارِ طاعَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَهم لِأنَّ عَنَتَهم إنَّما يَلْزَمُ مِنِ اسْتِمْرارِ الطّاعَةِ فِيما يَعِنُّ لَهم مِنَ الأُمُورِ؛ إذْ فِيهِ اخْتِلالُ أمْرِ الإبّالَةِ وانْقِلابُ الرَّئِيسِ مَرْؤُوسًا لا مِن إطاعَتِهِ في بَعْضِ ما يَرَوْنَهُ نادِرًا بَلْ فِيها اسْتِمالَتُهم بِلا مَعَرَّةٍ. وقِيلَ: إنَّها لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ امْتِناعَ عَنَتِهِمْ لِاسْتِمْرارِ امْتِناعِ طاعَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَهم في ذَلِكَ، فَإنَّ المُضارِعَ المَنفِيَّ قَدْ يَدُلُّ عَلى اسْتِمْرارِ النَّفْيِ بِحَسَبَ المَقامِ كَما في نَظائِرَ قَوْلِهِ تَعالى: " ولا هم يَحْزَنُونَ " والتَّحْقِيقُ أنَّ الِاسْتِمْرارَ الَّذِي تُفِيدُهُ صِيغَةُ المُضارِعِ يَعْتَبِرُ تارَةً بِالنِّسْبَةِ إلى ما يَتَعَلَّقُ بِالفِعْلِ مِنَ الأُمُورِ الزَّمانِيَّةِ المُتَجَدِّدَةِ وذَلِكَ بِأنْ يُعْتَبَرَ الِاسْتِمْرارُ في نَفْسِ الفِعْلِ عَلى الإبْهامِ ثُمَّ يَعْتَبِرُ تَعَلُّقَ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ بَيانًا لِما فِيهِ الِاسْتِمْرارُ وأُخْرى بِالنِّسْبَةِ إلى ما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِن نَفْسِ الزَّمانِ المُتَجَدِّدِ، وذَلِكَ إذا اعْتُبِرَ تَعَلُّقُهُ بِما يَتَعَلَّقُ بِهِ أوَّلًا ثُمَّ اعْتَبَرَ اسْتِمْرارَهُ فَيَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَسَبَ الزَّمانِ فَإنْ أُرِيدَ بِاسْتِمْرارِ الطّاعَةِ اسْتِمْرارُها وتَجَدُّدُها بِحَسْبَ تَجَدُّدِ مَواقِعِها الكَثِيرَةِ الَّتِي يُفْصِحُ عَنْها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ﴾ فالحَقُّ هو الأوَّلُ ضَرُورَةَ أنَّ مَدارَ امْتِناعِ العَنَتِ هو امْتِناعُ ذَلِكَ الِاسْتِمْرارِ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ الِامْتِناعُ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطّاعَةِ في أمْرٍ ما مِن تِلْكَ الأُمُورِ الكَثِيرَةِ أصْلًا أوْ بِعَدَمِ وُقُوعِها كُلُّها مَعَ وُقُوعِها في بَعْضٍ يَسِيرٍ مِنها حَتّى لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ الِاسْتِمْرارُ بِأحَدِ الوَجْهَيْنِ المَذْكُورَيْنِ بَلْ وقَعَتِ الطّاعَةُ فِيما ذُكِرَ مِن كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ وقَعَ العَنَتُ قَطْعًا وإنْ أرِيدَ بِهِ اسْتِمْرارُ الطّاعَةِ الواقِعَةِ في الكُلِّ وتَجَدُّدُها بِحَسَبَ تَجَدُّدِ الزَّمانِ واسْتِمْرارِهِ، فالحَقُّ هو الثّانِي فَإنَّ مَناطَ امْتِناعِ العَنَتِ حِينَئِذٍ لَيْسَ امْتِناعَ اسْتِمْرارِ الطّاعَةِ المَذْكُورَةِ ضَرُورَةَ أنَّهُ مُوجِبٌ لِوُقُوعِ العَنَتِ بَلْ هو الِاسْتِمْرارُ الزَّمانِيُّ لِامْتِناعِ تِلْكَ الطّاعَةِ الواقِعَةِ في تِلْكَ الأُمُورِ الكَثِيرَةِ بِأحَدِ الوَجْهَيْنِ المَذْكُورَيْنِ حَتّى لَوْ لَمْ يَسْتَمِرَّ امْتِناعُها بِأنْ وقَعَتْ تِلْكَ الطّاعَةُ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ وقَعَ العَنَتُ حَتْمًا، واعْلَمْ أنَّ الأحَقَّ بِالاخْتِيارِ والأوْلى بِالاعْتِبارِ هو الوَجْهُ الأوَّلُ لِأنَّهُ أوْفَقُ بِالقِياسِ المُقْتَضِي لِاعْتِبارِ الِامْتِناعِ وارِدًا عَلى الِاسْتِمْرارِ حَسَبَ وُرُودِ كَلِمَةِ "لَوْ" المُفِيدَةِ لِلْأوَّلِ عَلى صِيغَةِ المُضارِعِ المُفِيدَةِ لِلثّانِي عَلى أنَّ اعْتِبارَ الِاسْتِمْرارِ وارِدًا عَلى النَّفْيِ عَلى خِلافِ القِياسِ بِمَعُونَةِ المَقامِ إنَّما يُصارُ إلَيْهِ إذا تَعَذَّرَ الجَرَيانُ عَلى مُوجِبِ القِياسِ أوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَزِيدُ مَزِيَّةٍ كَما في مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا هم يَحْزَنُونَ﴾ حَيْثُ حُمِلَ عَلى اسْتِمْرارِ نَفْيِ الحُزْنِ عَنْهم إذْ لَيْسَ فى نَفْيِ اسْتِمْرارِ الحُزْنِ مَزِيدُ فائِدَةٍ، وأمّا إذا انْتَظَمَ الكَلامُ مَعَ مُراعاةِ مُوجِبِ القِياسِ حَقَّ الِانْتِظامِ فالعُدُولُ عَنْهُ تَمَحُّلٌ لا يَخْفى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمانَ﴾ ...إلَخْ تَجْرِيدٌ لِلْخِطابِ وتَوْجِيهٌ لَهُ إلى بَعْضِهِمْ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْراكِ بَيانًا لِبَراءَتِهِمْ عَنْ أوْصافِ الأوَّلِينَ وإحْمادًا لِأفْعالِهِمْ أيْ: ولَكِنَّهُ تَعالى جَعَلَ الإيمانَ (p-120)مَحْبُوبًا لَدَيْكم.
﴿وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ﴾ حَتّى رَسَخَ حُبُّهُ فِيها ولِذَلِكَ أتَيْتُمْ بِما يَلِيقُ بِهِ مِنَ الأقْوالِ والأفْعالِ.
﴿وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْيانَ﴾ ولِذَلِكَ اجْتَنَبْتُمْ عَمّا يَلِيقُ بِها مِمّا لا خَيْرَ فِيهِ مِن آثارِها وأحْكامِها ولَمّا كانَ فى التَّحْبِيبِ والتَّكْرِيهِ مَعْنى إنْهاءِ المَحَبَّةِ والكَراهَةِ وإيصالِها إلَيْهِمُ اسْتُعْمِلا بِكَلِمَةِ "إلى". وقِيلَ: هو اسْتِدْراكٌ بِبَيانِ عُذْرِ الأوَّلِينَ كَأنَّهُ قِيلَ: لَمْ يَكُنْ ما صَدَرَ عَنْكم فى حَقِّ بَنِي المُصْطَلِقِ مِن خَلَلٍ في عَقِيدَتِكم بَلْ مِن فَرْطِ حُبِّكم لِلْإيمانِ وكَراهَتِكم لِلْكُفْرِ والفُسُوقِ والعِصْيانِ، والأوَّلُ هو الأظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ﴾ أيِ: السّالِكُونَ إلى الطَّرِيقِ السَّوِيِّ المُوَصِّلِ إلى الحَقِّ والِالتِفاتُ إلى الغَيْبَةِ كالَّذِي في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما آتَيْتُمْ مِن زَكاةٍ تُرِيدُونَ وجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ﴾ .
{"ayah":"وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ فِیكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ یُطِیعُكُمۡ فِی كَثِیرࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَزَیَّنَهُۥ فِی قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡیَانَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلرَّ ٰشِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











