الباحث القرآني

﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا﴾ رَأى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ خُرُوجِهِ إلى الحُدَيْبِيَةِ كَأنَّهُ وأصْحابَهُ قَدْ دَخَلُوا مَكَّةَ آمِنِينَ وقَدْ حَلَّقُوا رُؤُوسَهم وقَصَّرُوا فَقَصَّ الرُّؤْيا عَلى أصْحابِهِ فَفَرِحُوا واسْتَبْشَرُوا وحَسِبُوا أنَّهم داخِلُوها في عامِهِمْ فَلَمّا تَأخَّرَ ذَلِكَ قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُفَيْلٍ ورِفاعَةُ بْنُ الحَرْثِ: واللَّهِ ما حَلَّقْنا ولا قَصَّرْنا ولا رَأيْنا المَسْجِدَ الحَرامَ فَنَزَلَتْ أيْ: صَدَّقَهُ ﷺ في رُؤْياهُ كَما في قَوْلِهِمْ: صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ وتَحْقِيقُهُ أراهُ الرُّؤْيا الصّادِقَةَ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِالحَقِّ﴾ إمّا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مُؤَكِّدٍ مَحْذُوفٍ أيْ: صِدْقًا مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ أيْ: بِالغَرَضِ الصَّحِيحِ والحِكْمَةِ البالِغَةِ الَّتِي هي التَّمْيِيزُ بَيْنَ الرّاسِخِ في الإيمانِ والمُتَزَلْزِلِ فِيهِ أوْ حالٌ مِنَ الرُّؤْيا أيْ: مُلْتَبِسَةً بِالحَقِّ لَيْسَتْ مِن قَبِيلِ أضْغاثِ الأحْلامِ، وقَدْ جُوِّزَ أنْ يَكُونَ قَسَمًا بِالحَقِّ الَّذِي هو مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى أوْ بِنَقِيضِ الباطِلِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ﴾ جَوابُهُ وهو عَلى الأوَّلَيْنِ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ أيْ: واللَّهِ لَتَدْخُلُنَّ ...إلَخْ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ شاءَ اللَّهُ﴾ تَعْلِيقٌ لِلْعِدَةِ بِالمَشِيئَةِ لِتَعْلِيمِ العِبادِ أوْ لِلْإشْعارِ بِأنَّ بَعْضَهم لا يَدْخُلُونَهُ لِمَوْتٍ أوْ غَيْبَةٍ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ أوْ هي حِكايَةٌ لِما قالَهُ مَلَكُ الرُّؤْيا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أوَّلَ لَمّا قالَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِأصْحابِهِ. ﴿آمِنِينَ﴾ حالٌ مِن فاعِلِ "لَتَدْخُلُنَّ" والشَّرْطُ مُعْتَرِضٌ وكَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكم ومُقَصِّرِينَ﴾ أيْ: مُحَلِّقًا بَعْضُكم ومُقَصِّرًا آخَرُونَ، وقِيلَ: "مُحَلِّقِينَ" حالٌ مِن ضَمِيرِ "آمِنِينَ" فَتَكُونُ مُتَداخِلَةً. ﴿لا تَخافُونَ﴾ حالٌ مُؤَكِّدَةٌ مِن فاعِلِ "لَتَدْخُلُنَّ" أوْ "آمِنِينَ" أوْ "مُحَلِّقِينَ" أوْ "مُقَصِّرِينَ" أوِ اسْتِئْنافٌ أيْ: لا تَخافُونَ بَعْدَ ذَلِكَ. ﴿فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا﴾ عَطْفٌ عَلى "صَدَقَ" والمُرادُ: بِعلمه تعالى العِلْمُ الفِعْلِيُّ المُتَعَلِّقُ بِأمْرٍ حادِثٍ بَعْدَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ أيْ: فَعِلْمَ عَقِيبَ ما أراهُ الرُّؤْيا الصّادِقَةَ ما لَمْ تَعْلَمُوا مِنَ الحِكْمَةِ الدّاعِيَةِ إلى تَقْدِيمِ ما يَشْهَدُ بِالصِّدْقِ عِلْمًا فِعْلِيًّا. ﴿فَجَعَلَ﴾ لِأجْلِهِ. ﴿مِن دُونِ ذَلِكَ﴾ أيْ: مِن دُونِ تَحَقُّقِ مِصْداقِ ما رَآهُ مِن دُخُولِ المَسْجِدِ الحَرامِ ...إلَخْ. ﴿فَتْحًا قَرِيبًا﴾ وهو فَتْحُ خَيْبَرَ، والمُرادُ بِجَعْلِهِ وعْدُهُ وإنْجازُهُ مِن غَيْرِ تَسْوِيفٍ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلى صِدْقِ الرُّؤْيا حَسْبَما قالَ ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وأمّا جَعْلُ "ما" في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما لَمْ تَعْلَمُوا﴾ عِبارَةً عَنِ الحِكْمَةِ في تَأْخِيرِ فَتْحِ مَكَّةَ إلى العامِ القابِلِ كَما جَنَحَ إلَيْهِ الجُمْهُورُ فَتَأْباهُ الفاءُ فَإنَّ علمه تعالى بِذَلِكَ مُتَقَدِّمٌ عَلى إراءَةِ الرُّؤْيا قَطْعًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب