الباحث القرآني

سُورَةُ الفَتْحِ مَدَنِيَّةٌ ونَزَلَتْ في مَرْجِعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ وآياتُها تِسْعٌ وعِشْرُونَ ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ﴾ فَتْحُ البَلَدِ عِبارَةٌ عَنِ الظَّفَرِ بِهِ عَنْوَةً أوْ صُلْحًا بِحِرابٍ أوْ بِدُونِهِ فَإنَّهُ ما لَمْ يُظْفَرْ بِهِ مُنْغَلِقٌ مَأْخُوذٌ مِن فَتْحِ بابِ الدّارِ وإسْنادُهُ إلى نُونِ العَظَمَةِ لِاسْتِنادِ أفْعالِ العِبادِ إلَيْهِ تَعالى خَلْقًا وإيجادًا، والمُرادُ بِهِ: فَتْحُ مَكَّةَ - شَرَّفَها اللَّهُ - وهو المَرْوِيُّ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بُشِّرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ انْصِرافِهِ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ والتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِصِيغَةِ الماضِي عَلى سَنَنِ سائِرِ الأخْبارِ الرَّبّانِيَّةِ لِلْإيذانِ بِتَحَقُّقِهِ لا مَحالَةَ تَأْكِيدًا لِلتَّبْشِيرِ كَما أنَّ تَصْدِيرَ الكَلامِ بِحَرْفِ التَّحْقِيقِ لِذَلِكَ، وفِيهِ مِنَ الفَخامَةِ المُنْبِئَةِ عَنْ عَظَمَةِ شَأْنِ المُخْبِرِ جَلَّ جَلالُهُ وعَزَّ سُلْطانُهُ ما لا يَخْفى. وقِيلَ: هو ما أُتِيحَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في تِلْكَ السَّنَةِ مِن فَتْحِ خَيْبَرَ وهو المَرْوِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ. وقِيلَ: هو صُلْحُ الحُدَيْبِيَةِ فَإنَّهُ وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حِرابٌ شَدِيدٌ بَلْ تَرامٍ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ بِسِهامٍ وحِجارَةٍ لَكِنْ لَمّا كانَ الظُّهُورُ لِلْمُسْلِمِينَ حَيْثُ سَألَهُمُ المُشْرِكُونَ الصُّلْحَ كانَ فَتْحًا بِلا رَيْبٍ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما رَمَوُا المُشْرِكِينَ حَتّى أدْخَلُوهم دِيارَهم. وعَنِ الكَلْبِيِّ ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ حَتّى سَألُوا الصُّلْحَ. وقَدْ رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حِينَ (p-104)بَلَغَهُ أنَّ رَجُلًا قالَ: ما هَذا بِفَتْحٍ لَقَدْ صُدِدْنا عَنِ البَيْتِ وصُدَّ هَدْيُنا قالَ: بَلْ هو أعْظَمُ الفُتُوحِ، وقَدْ رَضِيَ المُشْرِكُونَ أنْ يَدْفَعُوكم بِالرّاحِ ويَسْألُوكُمُ القَضِيَّةَ ويَرْغَبُوا إلَيْكم في الأمانِ وقَدْ رَأوْا مِنكم ما يَكْرَهُونَ. وعَنِ الشَّعْبِيِّ نَزَلَتْ بِالحُدَيْبِيَةِ وأصابَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في تِلْكَ الغَزْوَةِ ما لَمْ يُصِبْ في غَزْوَةٍ حَيْثُ أصابَ أنْ بُويِعَ بَيْعَةَ الرِّضْوانِ وغُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأخَّرَ وبَلَغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ وأُطْعِمُوا نَخْلَ خَيْبَرَ وظَهَرَتِ الرُّومُ عَلى فارِسَ فَفَرِحَ بِهِ المُسْلِمُونَ، وكانَ في فَتْحِ الحُدَيْبِيَةِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ هي أنَّهُ نُزِحَ ماؤُها حَتّى لَمْ يَبْقَ فِيها قَطْرَةٌ فَتَمَضْمَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ مَجَّهُ فِيها فَدَرَّتْ بِالماءِ حَتّى شَرِبَ جَمِيعُ مَن كانَ مَعَهُ وشِبَعَ. وقِيلَ: فَجاشَ الماءُ حَتّى امْتَلَأتْ ولَمْ يَنْفَدْ ماؤُها بَعْدُ. وقِيلَ: هو جَمِيعُ ما فَتَحَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ الفُتُوحِ. وقِيلَ: هو ما فَتَحَ اللَّهُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ الإسْلامِ والنُّبُوَّةِ والدَّعْوَةِ بِالحُجَّةِ والسَّيْفِ ولا فَتْحَ أبْيَنُ مِنهُ وأعْظَمُ وهو رَأْسُ الفُتُوحِ كافَّةً؛ إذْ لا فَتْحَ مِن فُتُوحِ الإسْلامِ إلّا وهو شُعْبَةٌ مِن شُعَبِهِ وفَرْعٌ مِن فُرُوعِهِ. وقِيلَ: الفَتْحُ بِمَعْنى: القَضاءِ ومِنهُ انْفِتاحُهُ لِلْحُكُومَةِ، والمَعْنى: قَضَيْنا لَكَ عَلى أهْلِ مَكَّةَ أنْ تُدْخِلَها مِن قابِلٍ وهو المُرْوِيُّ عَنْ قَتادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأيًّا ما كانَ؛ فَحَذْفُ المَفْعُولِ لِلْقَصْدِ إلى نَفْسِ الفِعْلِ والإيذانِ بِأنَّ مَناطَ التَّبْشِيرِ نَفْسُ الفَتْحِ الصّادِرِ عَنْهُ سُبْحانَهُ لا خُصُوصِيَّةُ المَفْتُوحِ. ﴿فَتْحًا مُبِينًا﴾ بَيِّنًا ظاهِرَ الأمْرِ مَكْشُوفَ الحالِ أوْ فارِقًا بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب