الباحث القرآني

﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ البِدْعُ: بِمَعْنى البَدِيعِ كالخِلِّ بِمَعْنى الخَلِيلِ وهو ما لا مِثْلَ لَهُ، وقُرِئَ بِفَتْحِ الدّالِ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ كَقِيَمٍ وزِيَمٍ أوْ جَمْعٌ مُقَدَّرٌ مُضافٌ أيْ: ذا بِدَعٍ، وقَدْ جُوِّزَ ذَلِكَ في القِراءَةِ الأُولى أيْضًا عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ كانُوا يَقْتَرِحُونَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ آياتٍ عَجِيبَةً ويَسْألُونَهُ عَنِ المُغَيَّباتِ عِنادًا ومُكابَرَةً فَأُمِرَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأنْ يَقُولَ لَهم ما كُنْتُ بَدِيعًا مِنَ الرُّسُلِ قادِرًا عَلى ما لَمْ يَقْدِرُوا حَتّى آتِيَكم بِكُلِّ ما تَقْتَرِحُونَهُ وأُخْبِرَكم بِكُلِّ ما تَسَلُونَ عَنْهُ مِنَ الغُيُوبِ فَإنَّ مَن قَبْلِي مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ ما كانُوا يَأْتُونَ إلّا بِما آتاهُمُ اللَّهُ تَعالى مِنَ الآياتِ ولا يُخْبِرُونَهم إلّا بِما أُوحِيَ إلَيْهِمْ. ﴿وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ﴾ أيْ: أيَّ شَيْءٍ يُصِيبُنا فِيما يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمانِ مِن أفْعالِهِ تَعالى وماذا يُقَدَّرُ لَنا مِنَ القَضايا. وعَنِ الحَسَن ِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ما أدْرِي ما يَصِيرُ إلَيْهِ أمْرِي وأمْرُكم في الدُّنْيا. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكم في الآخِرَةِ. وقالَ هي مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ﴾ وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَنفِيُّ هي الدِّرايَةَ المُفَصَّلَةَ والأظْهَرُ الأوْفَقُ لِما ذُكِرَ مِن سَبَبِ النُّزُولِ أنَّ ما عِبارَةٌ عَمّا لَيْسَ عِلْمُهُ مِن وظائِفِ النُّبُوَّةِ مِنَ الحَوادِثِ والواقِعاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ دُونَ ما سَيَقَعُ في الآخِرَةِ فَإنَّ العِلْمَ بِذَلِكَ مِن وظائِفِ النُّبُوَّةِ، وقَدْ ورَدَ بِهِ الوَحْيُ النّاطِقُ بِتَفاصِيلِ ما يُفْعَلُ بِالجانِبَيْنِ، هَذا وقَدْ رُوِيَ عَنِ الكَلْبِيِّ أنَّ أصْحابَ النَّبِيِّ ﷺ قالُوا لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: وقَدْ ضَجِرُوا مِن أذِيَّةِ المُشْرِكِينَ حَتّى مَتى نَكُونُ عَلى هَذا؟ فَقالَ: ﴿ما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكم أأُتْرَكُ بِمَكَّةَ أمْ أُومَرُ بِالخُرُوجِ إلى أرْضٍ ذاتِ نَخِيلٍ وشَجَرٍ قَدْ رُفِعَتْ لِي ورَأيْتُها﴾ يَعْنِي في مَنامِهِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ "ما" مَوْصُولَةً والِاسْتِفْهامِيَّةُ أقَضى لِحَقِّ مَقامِ التَّبَرُّؤِ عَنِ الدِّرايَةِ وتَكْرِيرُ "لا" لِتَذْكِيرِ النَّفِيِ المُنْسَحِبِ إلَيْهِ وتَأْكِيدِهِ، (p-80)وَقُرِئَ "ما يَفْعَلُ" عَلى إسْنادِ الفِعْلِ إلى ضَمِيرِهِ تَعالى. ﴿إنْ أتَّبِعُ إلا ما يُوحى إلَيَّ﴾ أيْ: ما أفْعَلُ إلّا اتِّباعَ ما يُوحى إلَيَّ عَلى مَعْنى قَصْرِ أفْعالِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى اتِّباعِ الوَحْيِ لا قَصْرِ اتِّباعِهِ عَلى الوَحْيِ كَما هو المُتَسارِعُ إلى الأفْهامِ، وقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ في سُورَةِ الأنْعامِ وقُرِئَ "يُوحِي" عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ وهو جَوابٌ عَنِ اقْتِراحِهِمُ الإخْبارَ عَمّا لَمْ يُوحَ إلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الغُيُوبِ. وقِيلَ: عَنِ اسْتِعْجالِ المُسْلِمِينَ أنْ يَتَخَلَّصُوا عَنْ أذِيَّةِ المُشْرِكِينَ والأوَّلُ هو الأوْفَقُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما أنا إلا نَذِيرٌ﴾ أُنْذِرُكم عِقابَ اللَّهِ تَعالى حَسَبَما يُوحى إلَيَّ. ﴿مُبِينٌ﴾ بَيِّنُ الإنْذارِ بِالمُعْجِزاتِ الباهِرَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب