الباحث القرآني

﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ تَبايُنِ حالَيِ المُسِيئِينَ والمُحْسِنِينَ إثْرَ بَيانِ تَبايُنِ حالَيِ الظّالِمِينَ والمُتَّقِينَ و"أمْ" مُنْقَطِعَةٌ وما فِيها مِن مَعْنى بَلْ لِلِانْتِقالِ مِنَ البَيانِ الأوَّلِ إلى الثّانِي، والهَمْزَةُ لِإنْكارِ الحُسْبانِ لَكِنْ لا بِطَرِيقِ إنْكارِ الوُقُوعِ ونَفْيِهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ كالمُفْسِدِينَ في الأرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كالفُجّارِ﴾ بَلْ بِطَرِيقِ إنْكارِ الواقِعِ واسْتِقْباحِهِ والتَّوْبِيخِ عَلَيْهِ، والِاجْتِراحُ: الِاكْتِسابُ. ﴿أنْ نَجْعَلَهُمْ﴾ أيْ: نُصَيِّرَهم في الحُكْمِ والِاعْتِبارِ وهم عَلى ما هم عَلَيْهِ مِن مَساوِئِ الأحْوالِ. ﴿كالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ وهم فِيما هم فِيهِ مِن مَحاسِنِ الأعْمالِ ونُعامِلُهم مُعامَلَتَهم في الكَرامَةِ ورَفْعِ الدَّرَجَةِ. ﴿سَواءً مَحْياهم ومَماتُهُمْ﴾ أيْ: مَحْيا الفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ومَماتُهم، حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في الظَّرْفِ والمَوْصُولِ مَعًا لِاشْتِمالِهِ عَلى ضَمِيرَيْهِما عَلى أنَّ السَّواءَ بِمَعْنى المُسْتَوِي، ومَحْياهم ومَماتُهم مُرْتَفِعانِ عَلى الفاعِلِيَّةِ والمَعْنى: أمْ حَسِبُوا أنْ نَجْعَلَهم كائِنِينَ مِثْلَهم حالَ كَوْنِ الكُلِّ مُسْتَوِيًا مَحْياهم ومَماتُهم كَلّا لا يَسْتَوُونَ في شَيْءٍ مِنهُما، فَإنَّ هَؤُلاءِ في عِزِّ الإيمانِ والطّاعَةِ وشَرَفِهِما في المَحْيا وفي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى ورِضْوانِهِ في المَماتِ وأُولَئِكَ في ذَلِكَ الكُفْرِ والمَعاصِي وهو أنَّهُما في المَحْيا وفي لَعْنَةِ اللَّهِ والعَذابِ الخالِدِ في المَماتِ شَتّانَ بَيْنَهُما، وقَدْ قِيلَ المُرادُ: إنْكارُ أنْ يَسْتَوُوا في المَماتِ كَما اسْتَوَوْا في الحَياةِ لِأنَّ المُسِيئِينَ والمُحْسِنِينَ مُسْتَوٍ مَحْياهم في الرِّزْقِ والصِّحَّةِ وإنَّما يَفْتَرِقُونَ في المَماتِ، وقُرِئَ "مَحْياهُمْ" و"مَماتَهُمْ" بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُما ظَرْفانِ كَمَقْدَمِ الحاجِّ، وسَواءً: حال عَلى حالِهِ أيْ: حالَ كَوْنِهِمْ مُسْتَوِينَ في مَحْياهم ومَماتِهِمْ، وقَدْ ذُكِرَ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ وُجُوهٌ أُخَرَ مِنَ الإعْرابِ، والَّذِي يَلِيقُ بِجَزالَةِ التَّنْزِيلِ هو الأوَّلُ فَتَدَبَّرُ، وقُرِئَ "سَواءٌ" بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ و"مَحْياهُمْ" مُبْتَدَأٌ فَقِيلَ: الجُمْلَةُ بَدَلٌ مِنَ الكافِ.وَقِيلَ: حالٌ. وأيًّا ما كانَ؛ فَنِسْبَةُ حِسْبانِ التَّساوِي إلَيْهِمْ في ضِمْنِ الإنْكارِ التَّوْبِيخِيِّ مَعَ أنَّهم بِمَعْزِلٍ مِنهُ جازِمُونَ بِفَضْلِهِمْ عَلى المُؤْمِنِينَ لِلْمُبالَغَةِ في الإنْكارِ والتَّشْدِيدِ في التَّوْبِيخِ، فَإنَّ إنْكارَ حُسْبانِ التَّساوِي والتَّوْبِيخَ عَلَيْهِ إنْكارٌ لِحُسْبانِ الجَزْمِ بِالفَضْلِ وتَوْبِيخٌ عَلَيْهِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وآكَدِهِ. ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ أيْ: ساءَ حُكْمُهم هَذا أوْ بِئْسَ شَيْئًا حَكَمُوا بِهِ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب