الباحث القرآني

﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ أحْكامِ المَوارِيثِ بَعْدَ بَيانِ أحْكامِ أمْوالِ اليَتامى المُنْتَقِلَةِ إلَيْهِمْ بِالإرْثِ، والمُرادُ بِالأقْرَبِينَ: المُتَوارِثُونَ مِنهُمْ، و"مِن" في "مِمّا" مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِـ"نَصِيبٌ" أيْ: لَهم نَصِيبٌ كائِنٌ مِمّا تَرَكَ وقَدْ جُوِّزَ تَعَلُّقُها بِ "نَصِيبٌ". ﴿وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ إيرادُ حُكْمِهِنَّ عَلى الِاسْتِقْلالِ دُونَ الدَّرْجِ في تَضاعِيفِ أحْكامِهِمْ بِأنْ يُقالَ لِلرِّجالِ والنِّساءِ إلَخْ لِلِاعْتِناءِ بِأمْرِهِنَّ، والإيذانِ بِأصالَتِهِنَّ في اسْتِحْقاقِ الإرْثِ والإشارَةِ مِن أوَّلِ الأمْرِ إلى تَفاوُتِ ما بَيْنَ نَصِيبَيِ الفَرِيقَيْنِ، والمُبالَغَةِ في إبْطالِ حُكْمِ الجاهِلِيَّةِ فَإنَّهم ما كانُوا يُوَرِّثُونَ النِّساءَ والأطْفالَ ويَقُولُونَ إنَّما يَرِثُ مَن يُحارِبُ ويَذُبُّ عَنِ الحَوْزَةِ. رُوِيَ «أنَّ أوْسَ بْنَ ثابِتٍ الأنْصارِيَّ (p-147)خَلَّفَ زَوْجَتَهُ أُمَّ كُحَّةٍ وثَلاثَ بَناتٍ فَزَوى ابْنا عَمِّهِ سُوَيْدٌ وعَرْفَطَةُ أوْ قَتادَةُ وعَرْفَجَةُ مِيراثَهُ عَنْهُنَّ عَلى سُنَّةِ الجاهِلِيَّةِ، فَجاءَتْ أُمُّ كُحَّةٍ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَشَكَتْ إلَيْهِ فَقالَ: ارْجِعِي حَتّى أنْظُرَ ما يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعالى فَنَزَلَتْ، فَأرْسَلَ إلَيْهِما: إنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَهُنَّ نَصِيبًَا ولَمْ يُبَيِّنْ فَلا تُفَرِّقا مِن مالِ أوْسٍ شَيْئًَا حَتّى يُبَيِّنَ فَنَزَلَ ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾ إلَخْ فَأعْطى أُمَّ كُحَّةٍ الثُّمُنَ والبَناتِ الثُّلُثَيْنِ والباقِي لِابْنىِ العَمِّ» وهو دَلِيلٌ عَلى جَوازِ تَأْخِيرِ البَيانِ عَنِ الخِطابِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِمّا قَلَّ مِنهُ أوْ كَثُرَ﴾ بَدَلٌ مِن "ما" الأخِيرَةِ بِإعادَةِ الجارِّ وإلَيْها يَعُودُ الضَّمِيرُ المَجْرُورُ، وهَذا البَدَلُ مُرادٌ في الجُمْلَةِ الأُولى أيْضًَا مَحْذُوفٌ لِلتَّعْوِيلِ عَلى المَذْكُورِ وفائِدَتُهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ اخْتِصاصِ بَعْضِ الأمْوالِ بِبَعْضِ الوَرَثَةِ كالخَيْلِ وآلاتِ الحَرْبِ لِلرِّجالِ وتَحْقِيقُ أنَّ لِكُلٍّ مِنَ الفَرِيقَيْنِ حَقًَّا مِن كُلِّ ما جَلَّ ودَقَّ. ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ نُصِبَ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ كَأنَّهُ قِيلَ: قِسْمَةً مَفْرُوضَةً أوْ عَلى الحالِيَّةِ إذِ المَعْنى ثَبَتَ لَهم نَصِيبٌ كائِنٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ حالَ كَوْنِهِ مَفْرُوضًَا أوْ عَلى الِاخْتِصاصِ أيْ: أعْنِي نَصِيبًَا مَقْطُوعًَا مَفْرُوضًَا واجِبًَا لَهُمْ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الوارِثَ لَوْ أعْرَضَ عَنْ نَصِيبِهِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب