الباحث القرآني

﴿إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كَما أوْحَيْنا إلى نُوحٍ والنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾ جَوابٌ لِأهْلِ الكِتابِ عَنْ سُؤالِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتابًَا مِنَ السَّماءِ، واحْتِجاجٌ عَلَيْهِمْ بِأنَّهُ لَيْسَ بِدْعًَا مِنَ الرُّسُلِ وإنَّما شَأْنُهُ في حَقِيقَةِ الإرْسالِ وأصْلِ الوَحْيِ كَشَأْنِ سائِرِ مَشاهِيرِ الأنْبِياءِ الَّذِينَ لا رَيْبَ لِأحَدٍ في نُبُوَّتِهِمْ والكافُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: إيحاءً مِثْلَ إيحائِنا إلى نُوحٍ أوْ عَلى أنَّهُ (p-255)حالٌ مِن ذَلِكَ المَصْدَرِ المُقَدَّرِ مُعَرَّفًَا كَما هو رَأْيُ سِيبَوَيْهِ أيْ: أوْحَيْنا الإيحاءَ حالَ كَوْنِهِ مُشْبِهًَا بِإيحائِنا إلَخْ و "مِن بَعْدِهِ" مُتَعَلِّقٌ بِ "أوْحَيْنا"، وإنَّما بُدِئَ بِذِكْرِ نُوحٍ لِأنَّهُ أبُو البَشَرِ وأوَّلُ نَبِيٍّ شَرَعَ اللَّهُ تَعالى عَلى لِسانِهِ الشَّرائِعَ والأحْكامَ وأوَّلُ نَبِيٍّ عُذِّبَتْ أُمَّتُهُ لِرَدِّهِمْ دَعْوَتَهُ وقَدْ أهْلَكَ اللَّهُ بِدُعائِهِ أهْلَ الأرْضِ. ﴿وَأوْحَيْنا إلى إبْراهِيمَ﴾ عَطْفٌ عَلى أوْحَيْنا إلى نُوحٍ داخِلٌ مَعَهُ في حُكْمِ التَّشْبِيهِ، أيْ: وكَما أوْحَيْنا إلى إبْراهِيمَ ﴿وَإسْماعِيلَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ والأسْباطِ﴾ وهم أوْلادُ يَعْقُوبَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. ﴿وَعِيسى وأيُّوبَ ويُونُسَ وهارُونَ وسُلَيْمانَ ﴾ خُصُّوا بِالذِّكْرِ مَعَ ظُهُورِ انْتِظامِهِمْ في سِلْكِ النَّبِيِّينَ تَشْرِيفًَا لَهم وإظْهارًَا لِفَضْلِهِمْ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ وتَصْرِيحًَا بِمَن يَنْتَمِي إلَيْهِمُ اليَهُودُ مِنَ الأنْبِياءِ وتَكْرِيرُ الفِعْلِ لِمَزِيدِ تَقْرِيرِ الإيحاءِ والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم طائِفَةٌ خاصَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الوَحْيِ. ﴿وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ قالَ القُرْطُبِيُّ: كانَ فِيهِ مِائَةٌ وخَمْسُونَ سُورَةً لَيْسَ فِيها حُكْمٌ مِنَ الأحْكامِ إنَّما هي حِكَمٌ ومَواعِظُ وتَحْمِيدٌ وتَمْجِيدٌ وثَناءٌ عَلى اللَّهِ تَعالى، وقُرِئَ بِضَمِّ الزّاىِ وهو جَمْعُ زِبْرٍ بِمَعْنى مَزْبُورٍ والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى "أوْحَيْنا" داخِلٌ في حُكْمِهِ، لِأنَّ إيتاءَ الزَّبُورِ مِن بابِ الإيحاءِ أيْ: وكَما آتَيْنا داوُدَ زَبُورًَا، وإيثارُهُ عَلى "وَأوْحَيْنا إلى داوُدَ" لِتَحْقِيقِ المُماثَلَةِ في أمْرٍ خاصٍّ هو إيتاءُ الكِتابِ بَعْدَ تَحْقِيقِها في مُطْلَقِ الإيحاءِ، ثُمَّ أُشِيرَ إلى تَحْقِيقِها في أمْرٍ لازِمٍ لَهُما لُزُومًَا كُلِّيًَّا وهو الإرْسالُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب