الباحث القرآني

(p-239)﴿وَإنِ امْرَأةٌ خافَتْ﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ ما لَمْ يُبَيَّنْ فِيما سَلَفَ مِنَ الأحْكامِ أيْ: إنْ تَوَقَّعَتِ امْرَأةٌ. ﴿مِن بَعْلِها نُشُوزًا﴾ أيْ: تَجافِيًَا عَنْها وتَرَفُّعًَا عَنْ صُحْبَتِها كَراهَةً لَها ومَنعًَا لِحُقُوقِها. ﴿أوْ إعْراضًا﴾ بِأنْ يُقِلَّ مُحادَثَتَها ومُؤانَسَتَها لِما يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنَ الدَّواعِي والأسْبابِ. ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما﴾ حِينَئِذٍ. ﴿أنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحًا﴾ أيْ: في أنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما بِأنْ تَحُطَّ لَهُ المَهْرَ أوْ بَعْضَهُ أوِ القَسْمَ كَما فَعَلَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةٍ حِينَ كَرِهَتْ أنْ يُفارِقَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَوَهَبَتْ يَوْمَها لِعائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أوْ بِأنْ تَهَبَ لَهُ شَيْئًَا تَسْتَمِيلُهُ، وقُرِئَ "يَصّالَحا" مِن يَتَصالَحا و"يَصَّلِحا" مِن يَصْطَلِحا و"يُصالِحا" مِنَ المُفاعَلَةِ و"صُلْحًَا" إمّا مَنصُوبٌ بِالفِعْلِ المَذْكُورِ عَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مِنهُ بِحَذْفِ الزَّوائِدِ وقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِاسْمِ المَصْدَرِ كَأنَّهُ قِيلَ: إصْلاحًَا أوْ تَصَلُّحًَا أوِ اصْطِلاحًَا حَسْبَما قُرِئَ الفِعْلُ أوْ بِفِعْلٍ مُتَرَتِّبٍ عَلى المَذْكُورِ أيْ: فَيُصْلِحُ حالَهُما صُلْحًَا، وبَيْنَهُما ظَرْفٌ لِلْفِعْلِ أوْ حالٌ مِن "صُلْحًَا" والتَّعَرُّضُ لِنَفْيِ الجُناحِ عَنْهُما مَعَ أنَّهُ لَيْسَ مِن جانِبِها الأخْذُ الَّذِي هو المَظِنَّةُ لِلْجُناحِ لِبَيانِ أنَّ هَذا الصُّلْحَ لَيْسَ مِن قَبِيلِ الرِّشْوَةِ المُحَرَّمَةِ لِلْمُعْطِي والآخِذِ. ﴿والصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ أيْ: مِنَ الفُرْقَةِ أوْ مِن سُوءِ العِشْرَةِ أوْ مِنَ الخُصُومَةِ فاللّامُ لِلْعَهْدِ أوْ هو خَيْرٌ مِنَ الخُيُورِ فاللّامُ لِلْجِنْسِ والجُمْلَةُ اعْتِراضٌ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ، وكَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ﴾ أيْ: جُعِلَتْ حاضِرَةً لَهُ مَطْبُوعَةً عَلَيْهِ لا تَنْفَكُّ عَنْهُ أبَدًَا فَلا المَرْأةُ تَسْمَحُ بِحُقُوقِها مِنَ الرَّجُلِ ولا الرَّجُلُ يَجُودُ بِحُسْنِ المُعاشَرَةِ مَعَ دَمامَتِها، فَإنَّ فِيهِ تَحْقِيقًَا لِلصُّلْحِ وتَقْرِيرًَا لَهُ بِحَثِّ كُلٍّ مِنهُما عَلَيْهِ لَكِنْ لا بِالنَّظَرِ إلى حالِ نَفْسِهِ فَإنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي التَّمادِيَ في المُماكَسَةِ والشِّقاقِ بَلْ بِالنَّظَرِ إلى حالِ صاحِبِهِ فَإنَّ شُحَّ نَفْسِ الرَّجُلِ وعَدَمَ مَيْلِها عَنْ حالَتِها الجِبِلِّيَّةِ بِغَيْرِ اسْتِمالَةٍ مِمّا يَحْمِلُ المَرْأةَ عَلى بَذْلِ بَعْضِ حُقُوقِها إلَيْهِ لِاسْتِمالَتِهِ، وكَذا شُحُّ نَفْسِها بِحُقُوقِها مِمّا يَحْمِلُ الرَّجُلَ عَلى أنْ يَقْتَنِعَ مِن قِبَلِها بِشَيْءٍ يَسِيرٍ ولا يُكَلِّفَها بَذْلَ الكَثِيرِ فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ الصُّلْحُ. ﴿وَإنْ تُحْسِنُوا﴾ في العِشْرَةِ. ﴿وَتَتَّقُوا﴾ النُّشُوزَ والإعْراضَ وإنْ تَعاضَدَتِ الأسْبابُ الدّاعِيَةُ إلَيْهِما وتَصْبِرُوا عَلى ذَلِكَ مُراعاةً لِحُقُوقِ الصُّحْبَةِ ولَمْ تَضْطَرُّوهُنَّ إلى بَذْلِ شَيْءٍ مِن حُقُوقِهِنَّ. ﴿فَإنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ﴾ أيْ: مِنَ الإحْسانِ والتَّقْوى أوْ بِما تَعْمَلُونَ جَمِيعًَا فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِيهِ دُخُولًَا أوَّلِيًَّا. ﴿خَبِيرًا﴾ فَيُجازِيكم ويُثِيبُكم عَلى ذَلِكَ البَتَّةَ لِاسْتِحالَةِ أنْ يُضِيعَ أجْرَ المُحْسِنِينَ، وفي خِطابِ الأزْواجِ بِطَرِيقِ الِالتِفاتِ والتَّعْبِيرِ عَنْ رِعايَةِ حُقُوقِهِنَّ بِالإحْسانِ ولَفْظِ التَّقْوى المُنْبِئِ عَنْ كَوْنِ النُّشُوزِ والإعْراضِ مِمّا يُتَوَقّى مِنهُ وتَرْتِيبِ الوَعْدِ الكَرِيمِ عَلَيْهِ مِن لُطْفِ الِاسْتِمالَةِ والتَّرْغِيبِ في حُسْنِ المُعامَلَةِ ما لا يَخْفى. رُوِيَ أنَّها نَزَلَتْ في عَمْرَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وزَوْجِها سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ تَزَوَّجَها وهي شابَّةٌ فَلَمّا عَلاها الكِبَرُ تَزَوَّجَ شابَّةً وآثَرَها عَلَيْها وجَفاها فَأتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وشَكَتْ إلَيْهِ ذَلِكَ. وقِيلَ: نَزَلَتْ في أبِي السّائِبِ؛ كانَتْ لَهُ امْرَأةٌ قَدْ كَبُرَتْ ولَهُ مِنها أوْلادٌ فَأرادَ أنْ يُطَلِّقَها ويَتَزَوَّجَ غَيْرَها فَقالَتْ: لا تُطَلِّقْنِي ودَعْنِي عَلى أوْلادِي فاقْسِمْ لِي مِن كُلِّ شَهْرَيْنِ إنْ شِئْتَ وإنْ شِئْتَ فَلا تَقْسِمْ لِي، فَقالَ: إنْ كانَ (p-240)يَصْلُحُ ذَلِكَ فَهو أحَبُّ إلَيَّ فَأتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب