﴿لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ﴾ عَلى أنَّ الحَقَّ إمّا اسْمُهُ تَعالى، (p-239)أوْ نَقِيضُ الباطِلِ عَظَّمَهُ اللَّهُ تَعالى بِإقْسامِهِ بِهِ، أوْ فَأنا الحَقُّ، أوْ فَقَوْلِي الحَقُّ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ﴾ . . . إلَخْ. حِينَئِذٍ جَوابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: واللَّهِ لَأمْلَأنَّ. . . إلَخْ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والحَقَّ أقُولُ﴾ عَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ اعْتِراضٌ مُقَرَّرٌ عَلى الوَجْهَيْنِ الأوَّلَيْنِ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ القَسَمِيَّةِ، وعَلى الوَجْهِ الثّالِثِ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ المُتَقَدِّمَةِ، أعْنِي فَقَوْلِي الحَقَّ. وقُرِئا مَنصُوبَيْنِ عَلى أنَّ الأوَّلَ مُقْسَمٌ بِهِ، كَقَوْلِكَ: اللَّهِ لَأفْعَلَنَّ. وجَوابُهُ لَأمْلَأنَّ وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ. وقُرِئا مَجْرُورَيْنِ عَلى أنَّ الأوَّلَ مُقْسَمٌ بِهِ قَدْ أُضْمِرَ حَرْفُ قَسَمِهِ كَقَوْلِكَ: اللَّهِ لَأفْعَلَنَّ والحَقَّ أقُولُ. عَلى حِكايَةِ لَفْظِ المُقْسَمِ بِهِ عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ نَقِيضَ الباطِلِ، ومَعْناهُ التَّأْكِيدُ والتَّشْدِيدُ. وقُرِئَ بِجَرِّ الأوَّلِ عَلى إضْمارِ حَرْفِ القَسَمِ، ونَصْبِ الثّانِي عَلى المَفْعُولِيَّةِ.
﴿مِنكَ﴾ أيْ: مِن جِنْسِكَ مِنَ الشَّياطِينِ.
﴿وَمِمَّنْ تَبِعَكَ﴾ في الغَوايَةِ والإضْلالِ.
﴿مِنهُمْ﴾ ومِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ.
﴿أجْمَعِينَ﴾ تَأْكِيدٌ لِلْكافِ وما عُطِفَ عَلَيْهِ، أيْ: لَأمْلَأنَّها مِنَ المَتْبُوعِينَ والأتْباعِ أجْمَعِينَ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَمَن تَبِعَكَ مِنهم لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكم أجْمَعِينَ﴾ وهَذا القَوْلُ هو المُرادُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ وحَيْثُ كانَ مَناطُ الحُكْمِ هَهُنا اتِّباعُ الشَّيْطانِ اتَّضَحَ أنَّ مَدارَ عَدَمِ المَشِيئَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنا لآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها﴾ اتِّباعُ الكَفَرَةِ لِلشَّيْطانِ بُسُوءِ اخْتِيارِهِمْ لا تَحَقُّقِ القَوْلِ فَلَيْسَ في ذَلِكَ شائِبَةُ الجَبْرِ، فَتَدَبَّرْ.
{"ayah":"لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ أَجۡمَعِینَ"}