الباحث القرآني

﴿فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ المَوْتَ﴾ أيْ: عَلى سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ. ﴿ما دَلَّهُمْ﴾ أيِ: الجِنُّ أوْ آلُهُ. ﴿عَلى مَوْتِهِ إلا دابَّةُ الأرْضِ﴾ أيِ: الأرَضَةُ أُضِيفَتْ إلى فِعْلِها، وقُرِئَ بِفَتْحِ الرّاءِ، وهو تَأثُّرُ الخَشَبَةِ مِن فِعْلِها، يُقالُ: أرَضَتِ الأرَضَةُ الخَشَبَةَ أرْضًا فَأرِضَتْ أرْضًا، مِثْلَ أكَلَتِ القَوارِحُ أسْنانَهُ أكْلًا فَأكِلَتْ أكْلًا. ﴿تَأْكُلُ مِنسَأتَهُ﴾ أيْ: عَصاهُ مِن نَسَأْتُ البَعِيرَ إذا طَرَدْتَهُ؛ لِأنَّها يُطْرَدُ بِها ما يُطْرَدُ. وقُرِئَ: (مِنساتَهُ) بِألِفِ ساكِنَةٍ بَدَلًا مِنَ الهَمْزَةِ، وبِهَمْزَةٍ ساكِنَةٍ، وبِإخْراجِها بَيْنَ بَيْنَ عِنْدِ الوَقْفِ. و (مِنساءَتَهُ) عَلى مِفْعالَةٍ كَمِيضاءَةٍ في مِيضَأةٍ، ومِن ساتِهِ، أيْ: مِن طَرَفِ عَصاهُ مِن سَأةِ القَوْسِ، وفِيهِ لُغَتانِ كَما في قِحَةٍ بِالكَسْرِ والفَتْحِ، وقُرِئَ: (أكَلَتْ مِنساتَهُ) ﴿فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ﴾ مِن تَبَيَّنْتُ الشَّيْءَ إذا عَلِمْتَهُ بَعْدَ التِباسِهِ عَلَيْكَ، أيْ: عَلِمَتِ الجِنُّ عِلْمًا بَيِّنًا بَعْدَ التِباسِ الأمْرِ عَلَيْهِمْ. ﴿أنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ ما لَبِثُوا في العَذابِ المُهِينِ﴾ أيْ: أنَّهم لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ كَما يَزْعُمُونَ لَعَلِمُوا مَوْتَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حِينَما وقَعَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا بَعْدَهُ حَوْلًا في تَسْخِيرِهِ إلى أنْ خَرَّ. أوْ مِن تَبَيَّنَ الشَّيْءُ إذا ظَهَرَ وتَجَلّى، أيْ: ظَهَرَتِ الجِنُّ. وأنَّ مَعَ ما في حَيِّزِها بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنَ الجِنِّ، أيْ: ظَهَرَ أنَّ الجِنَّ "لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ"... إلَخْ. وقُرِئَ: (تُبَيِّنَتِ الجِنُّ) عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ عَلى أنَّ المُتَبَيِّنَ في الحَقِيقَةِ هو أنْ مَعَ ما في حَيِّزِها؛ لِأنَّهُ بَدَلٌ. وقُرِئَ: (تَبَيَّنَتِ الإنْسُ) والضَّمِيرُ في كانُوا لِلْجِنِّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمِنَ الجِنِّ مَن يَعْمَلُ﴾ . وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (تَبَيَّنَتِ الإنْسُ أنَّ الجِنَّ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ). رُوِيَ أنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ أسَّسَ بُنْيانَ بَيْتِ المَقْدِسِ في مَوْضِعِ فُسْطاطِ مُوسى فَتُوُفِّيَ قَبْلَ تَمامِهِ، فَوَصّى بِهِ إلى سُلَيْمانَ عَلَيْهِما السَّلامُ، فاسْتَعْمَلَ فِيهِ الجِنَّ والشَّياطِينَ، فَباشَرُوهُ حَتّى إذا حانَ أجَلُهُ وعَلِمَ بِهِ، سَألَ رَبَّهُ أنْ يُعْمِيَ عَلَيْهِمْ مَوْتَهُ حَتّى يَفْرَغُوا مِنهُ، ولِتَبْطُلَ دَعْواهم عِلْمَ الغَيْبِ فَدَعاهم فَبَنَوْا عَلَيْهِ صَرْحًا مِن قَوارِيرَ لَيْسَ لَهُ بابٌ. فَقامَ يُصَلِّي مُتَّكِئًا عَلى عَصاهُ فَقُبِضَ رُوحُهُ وهو مُتَّكِئٌ عَلَيْها فَبَقِيَ كَذَلِكَ، وهم فِيما أُمِرُوا بِهِ مِنَ الأعْمالِ حَتّى أكَلَتِ الأرَضَةُ عَصاهُ فَخَرَّ مَيْتًا، وكانَتِ الشَّياطِينُ تَجْتَمِعُ حَوْلَ مِحْرابِهِ (p-127)أيْنَما ﷺ، فَلَمْ يَكُنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ الشَّيْطانُ في صَلاتِهِ إلّا احْتَرَقَ فَمَرَّ بِهِ يَوْمًا شَيْطانٌ فَنَظَرَ، فَإذا سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ خَرَّ مَيْتًا، فَفَتَحُوا عَنْهُ فَإذا عَصاهُ قَدْ أكَلَها الأرَضَةُ، فَأرادُوا أنْ يَعْرِفُوا وقْتَ مَوْتِهِ فَوَضَعُوا الأرَضَةَ عَلى العَصا فَأكَلَتْ مِنها في يَوْمٍ ولَيْلَةٍ مِقْدارًا، فَحَسِبُوا عَلى ذَلِكَ فَوَجَدُوهُ قَدْ ماتَ مُنْذُ سَنَةٍ، وكانَ عُمْرُهُ ثَلاثًا وخَمْسِينَ سَنَةً. مَلَكَ وهو ابْنُ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وبَقِيَ في مُلْكِهِ أرْبَعِينَ سَنَةً، وابْتَدَأ بِناءَ بَيْتِ المَقْدِسِ لِأرْبَعٍ مَضَيْنَ مِن مُلْكِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب