الباحث القرآني
﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْواجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾ أيْ: مُهُورَهُنَّ. فَإنَّها أُجُورُ الأبْضاعِ، وإيتاؤُها إمّا إعْطاؤُها مُعَجَّلَةً، أوْ تَسْمِيَتُها في العَقْدِ، وأيًّا ما كانَ فَتَقْيِيدُ الإحْلالِ لَهُ ﷺ بِهِ لَيْسَ لِتَوَقُّفِ الحِلِّ عَلَيْهِ ضَرُورَةً أنَّهُ يَصِحُّ العَقْدُ بِلا تَسْمِيَةٍ، ويَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ، أوِ المُتْعَةُ عَلى تَقْدِيرَيِ الدُّخُولِ وعَدَمِهِ، بَلْ لِإيثارِ الأفْضَلِ والأوْلى لَهُ ﷺ كَتَقْيِيدِ إحْلالِ المَمْلُوكَةِ بِكَوْنِها مُسَبَّيَةً في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّا أفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ﴾ فَإنَّ المُشْتَراةَ لا يَتَحَقَّقُ بَدْءُ أمْرِها، وما جَرى عَلَيْها، وكَتَقْيِيدِ القَرائِبِ بِكَوْنِهِنَّ مُهاجِراتٍ مَعَهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَبَناتِ عَمِّكَ وبَناتِ عَمّاتِكَ وبَناتِ خالِكَ وبَناتِ خالاتِكَ اللاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ﴾ ويُحْتَمَلُ تَقْيِيدُ الحِلِّ بِذَلِكَ في حَقِّهِ ﷺ خاصَّةَ، ويُعَضِّدُهُ قَوْلُ أُمِّ هانِئٍ بِنْتِ أبِي طالِبٍ: خَطَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فاعْتَذَرْتُ إلَيْهِ فَعَذَرَنِي، ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ، فَلَمْ أحِلَّ لَهُ لِأنِّي لَمْ أُهاجِرْ مَعَهُ؛ كُنْتُ مِنَ الطُّلَقاءِ.
﴿وامْرَأةً مُؤْمِنَةً﴾ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى مَفْعُولِ أحْلَلْنا؛ إذْ لَيْسَ مَعْناهُ إنْشاءَ الإحْلالِ النّاجِزِ بَلْ إعْلامُ مُطْلَقِ الإحْلالِ المُنْتَظِمِ لِما سَبَقَ ولَحِقَ، وقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أيْ: أحْلَلْناها لَكَ أيْضًا.
﴿إنْ وهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ﴾ أيْ: مَلَّكَتْهُ بُضْعَها بِأيٍّ عِبارَةٍ كانَتْ بِلا مَهْرٍ إنِ اتَّفَقَ ذَلِكَ، كَما يُنْبِئُ عَنْهُ تَنْكِيرُها. لَكِنْ لا مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ إرادَتِهِ ﷺ اسْتِنْكاحَها كَما نَطَقَ بِهِ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنْ أرادَ النَّبِيُّ أنْ يَسْتَنْكِحَها﴾ أيْ: أنْ يَتَمَلَّكَ بُضْعَها كَذَلِكَ، أيْ: بِلا مَهْرٍ فَإنَّ ذَلِكَ جارٍ مِنهُ ﷺ مَجْرى القَبُولِ، وحَيْثُ لَمْ يَكُنْ هَذا نَصًّا في كَوْنِ تَمْلِيكِها بِلَفْظِ الهِبَةِ لَمْ يَصْلُحْ أنْ يَكُونَ مَناطًا لِلْخِلافِ في انْعِقادِ النِّكاحِ بِلَفْظِ الهِبَةِ إيجابًا أوْ سَلْبًا، واخْتُلِفَ في اتِّفاقِ هَذا العَقْدِ، فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ﷺ أحَدٌ مِنهُنَّ بِالهِبَةِ. وقِيلَ: المَوْهُوباتُ أرْبَعٌ: مَيْمُونَةُ بِنْتُ الحَرْثِ، وزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الأنْصارِيَّةُ، وأُمُّ شَرِيكٍ بِنْتُ جابِرٍ، وخَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ. وإيرادُهُ ﷺ في المَوْضِعَيْنِ (p-110)بِعُنْوانِ النُّبُوَّةِ بِطَرِيقِ الِالتِفاتِ لِلتَّكْرِمَةِ، والإيذانِ بِأنَّها المَناطُ لِثُبُوتِ الحُكْمِ، فَيَخْتَصُّ بِهِ ﷺ حَسَبَ اخْتِصاصِها بِهِ كَما يَنْطِقُ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خالِصَةً لَكَ﴾ أيْ: خَلَصَ لَكَ إحْلالُها خالِصَةً، أيْ: خُلُوصًا. فَإنَّ الفاعِلَةَ في المَصادِرِ غَيْرُ عَزِيزٍ كالعافِيَةِ والكاذِبَةِ، أوْ خَلَصَ لَكَ إحْلالُ ما أحْلَلْنا لَكَ مِنَ المَذْكُوراتِ عَلى القُيُودِ المَذْكُورَةِ خالِصَةً، ومَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ﴾ عَلى الأوَّلِ: أنَّ الإحْلالَ المَذْكُورَ في المادَّةِ المَعْهُودَةِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ في حَقِّهِمْ، وإنَّما المُتَحَقِّقُ هُناكَ الإحْلالُ بِمَهْرِ المِثْلِ. وعَلى الثّانِي: أنَّ إحْلالَ الجَمِيعِ عَلى القُيُودِ المَذْكُورَةِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ في حَقِّهِمْ، بَلِ المُتَحَقِّقُ فِيهِ إحْلالُ البَعْضِ المَعْدُودِ عَلى الوَجْهِ المَعْهُودِ، وقُرِئَ: (خالِصَةٌ) بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: ذَلِكَ خُلُوصٌ لَكَ وخُصُوصٌ. أوْ هِيَ، أيْ: تِلْكَ المَرْأةُ، أوِ الهِبَةُ خالِصَةٌ لَكَ. لا تَتَجاوَزُ المُؤْمِنِينَ حَيْثُ لا تَحِلُّ لَهم بِغَيْرِ مَهْرٍ، ولا تَصِحُّ الهِبَةُ بَلْ يَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ﴾ أيْ: عَلى المُؤْمِنِينَ.
﴿فِي أزْواجِهِمْ﴾ أيْ: في حَقِّهِنَّ. اعْتِراضٌ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ مِن خُلُوصِ الإحْلالِ المَذْكُورِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وعَدَمِ تَجاوُزِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِبَيانِ أنَّهُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ مِن شَرائِطِ العَقْدِ وحُقُوقِهِ، ما لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ ﷺ تَكْرِمَةً لَهُ، وتَوْسِعَةً عَلَيْهِ، أيْ: قَدْ عَلِمْنا ما يَنْبَغِي أنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ في حَقِّ أزْواجِهِمْ.
﴿وَما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ وعَلى أيِّ حَدٍّ، وأيِّ صِفَةٍ يَحِقُّ أنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَفَرَضْنا ما فَرَضْنا عَلى ذَلِكَ الوَجْهِ، وخَصَصْناكَ بِبَعْضِ الخَصائِصِ.
﴿لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾ أيْ: ضِيقٌ. و "اللّامُ" مُتَعَلِّقَةٌ بِ «خالِصَةً» بِاعْتِبارِ ما فِيها مِن مَعْنى ثُبُوتِ الإحْلالِ وحُصُولِهِ لَهُ ﷺ لا بِاعْتِبارِ اخْتِصاصِهِ بِهِ ﷺ؛ لِأنَّ مَدارَ انْتِفاءِ الحَرَجِ هو الأوَّلُ لا الثّانِي الَّذِي هو عِبارَةٌ عَنْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ لِغَيْرِهِ.
﴿وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ لِما يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ.
﴿رَحِيمًا﴾ ولِذَلِكَ وسَّعَ الأمْرَ في مَواقِعِ الحَرَجِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِنَّاۤ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَ ٰجَكَ ٱلَّـٰتِیۤ ءَاتَیۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ یَمِینُكَ مِمَّاۤ أَفَاۤءَ ٱللَّهُ عَلَیۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَـٰلَـٰتِكَ ٱلَّـٰتِی هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةࣰ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِیِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِیُّ أَن یَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةࣰ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَیۡهِمۡ فِیۤ أَزۡوَ ٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ لِكَیۡلَا یَكُونَ عَلَیۡكَ حَرَجࣱۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق