الباحث القرآني

﴿وَمِنَ النّاسِ﴾ مَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلى الِابْتِداءِ بِاعْتِبارِ مَضْمُونِهِ، (p-69)أوْ بِتَقْدِيرِ المَوْصُوفِ، و(مَن) في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ مَوْصُولَةٌ، أوْ مَوْصُوفَةٌ مَحَلُّها الرَّفْعُ عَلى الخَبَرِيَّةِ، والمَعْنى: وبَعْضُ النّاسِ، أوْ وبَعْضٌ مِنَ النّاسِ الَّذِي يَشْتَرِي، أوْ فَرِيقٌ يَشْتَرِي عَلى أنَّ مَناطَ الإفادَةِ والمَقْصُودَ بِالأصالَةِ هو اتِّصافُهم بِما في حِّيزِ الصِّلَةِ، أوِ الصِّفَةِ، لا كَوْنُهم ذَواتِ أُولَئِكَ المَذْكُورِينَ كَما مَرَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ﴾ ... الآياتِ. ولَهْوُ الحَدِيثِ ما يُلْهِي عَمّا يُعْنى مِنَ المُهِمّاتِ كالأحادِيثِ الَّتِي لا أصْلَ لَها، والأساطِيرِ الَّتِي لا اعْتِدادَ بِها، والمُضاحِكِ، وسائِرِ ما لا خَيْرَ فِيهِ مِن فُضُولِ الكَلامِ، والإضافَةُ بِمَعْنى مِنَ التَّبْيِينِيَّةِ إنْ أُرِيدَ بِالحَدِيثِ المُنْكَرُ، وبِمَعْنى التَّبْعِيضِيَّةِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الأعَمُّ مِن ذَلِكَ. وقِيلَ: نَزَلَتِ الآيَةُ في النَّضْرِ بْنِ الحَرْثِ اشْتَرى كُتُبَ الأعاجِمِ، وكانَ يُحَدِّثُ بِها قُرَيْشًا، ويَقُولُ: إنْ كانَ مُحَمَّدٌ ﷺ يُحَدِّثُكم بِحَدِيثِ عادٍ وثَمُودَ فَأنا أُحَدِّثُكم بِحَدِيثِ رُسْتُمَ وإسْفِنْدِيارَ والأكاسِرَةِ. وقِيلَ: كانَ يَشْتَرِي القِيانَ، ويَحْمِلُهُنَّ عَلى مُعاشَرَةِ مَن أرادَ الإسْلامَ ومَنعِهِ عَنْهُ. ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ: دِينِهِ الحَقِّ المُوَصِّلِ إلَيْهِ تَعالى: أوْ عَنْ قِراءَةِ كِتابِهِ الهادِي إلَيْهِ تَعالى، وقُرِئَ: (لِيَضِلَّ) بِفَتْحِ الياءِ، أيْ: لِيَثْبُتَ ويَسْتَمِرَّ عَلى ضَلالِهِ، أوْ لِيَزْدادَ فِيهِ. ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أيْ: بِحالِ ما يَشْتَرِيهِ، أوْ بِالتِّجارَةِ حَيْثُ اسْتَبْدَلَ الشَّرَّ البَحْتَ بِالخَيْرِ المَحْضِ. ﴿وَيَتَّخِذَها﴾ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى يُضِلَّ، والضَّمِيرُ لِلسَّبِيلِ فَإنَّهُ مِمّا يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وهو دِينُ الإسْلامِ، أوِ القرآن، أيْ: ويَتَّخِذَها. ﴿هُزُوًا﴾ مَهْزُوًّا بِهِ، وقُرِئَ: (وَيَتَّخِذُها) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى "يَشْتَرِي". وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى مَن، والجَمْعُ بِاعْتِبارِ مَعْناها كَما أنَّ الإفْرادَ في الفِعْلَيْنِ بِاعْتِبارِ لَفْظِها، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ مَعَ قُرْبِ العَهْدِ بِذِكْرِ المُشارِ إلَيْهِ لِلْإيذانِ بِبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ في الشَّرارَةِ، أيْ: أُولَئِكَ المَوْصُوفُونَ بِما ذُكِرَ مِنَ الِاشْتِراءِ لِلْإضْلالِ. ﴿لَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ لِما اتَّصَفُوا بِهِ مِن إهانَتِهِمُ الحَقَّ بِإيثارِ الباطِلِ عَلَيْهِ، وتَرْغِيبِ النّاسِ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب