الباحث القرآني

﴿ألَمْ تَرَ﴾ قِيلَ: الخِطابُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وقِيلَ: عامٌّ لِكُلِّ أحَدٍ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْخِطابِ، وهو الأوْفَقُ لِما سَبَقَ وما لَحِقَ، أيْ: ألَمْ تَعْلَمْ عِلْمًا (p-76)قَوِيًّا جارِيًا مَجْرى الرُّؤْيَةِ. ﴿أنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارِ في اللَّيْلَ﴾ أيْ: يُدْخِلُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما في الآخَرِ، ويُضِيفُهُ إلَيْهِ، فَيَتَفاوَتُ بِذَلِكَ حالُهُ زِيادَةً ونُقْصانًا. ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ﴾ عَطْفٌ عَلى "يُولِجُ"، والِاخْتِلافُ بَيْنَهُما صِيغَةٌ لِما أنَّ إيلاجَ أحَدِ المَلَوَيْنِ في الآخَرِ مُتَجَدِّدٌ في كُلِّ حِينٍ، وأمّا تَسْخِيرُ النَّيِّرَيْنِ فَأمْرٌ لا تَعَدُّدَ فِيهِ ولا تَجَدُّدَ. وإنَّما التَّعَدُّدُ والتَّجَدُّدُ في آثارِهِ، وقَدْ أُشِيرَ إلى ذَلِكَ حَيْثُ قِيلَ: ﴿كُلٌّ يَجْرِي﴾ أيْ: بِحَسَبِ حَرَكَتِهِ الخاصَّةِ، وحَرَكَتِهِ القَسْرِيَّةِ عَلى المَداراتِ اليَوْمِيَّةِ المُتَخالِفَةِ المُتَعَدِّدَةِ حَسَبَ تَعَدُّدِ الأيّامِ جَرْيًا مُسْتَمِرًّا. ﴿إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعالى لِجَرْيِهِما، وهو يَوْمُ القِيامَةِ، كَما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ. فَإنَّهُ لا يَنْقَطِعُ جَرْيُهُما إلّا حِينَئِذٍ، والجُمْلَةُ عَلى تَقْدِيرِ عُمُومِ الخِطابِ اعْتِراضٌ بَيْنَ المَعْطُوفَيْنِ لِبَيانِ الواقِعِ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرادِ، وعَلى تَقْدِيرِ اخْتِصاصِهِ بِهِ ﷺ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الشَّمْسِ والقَمَرِ، فَإنَّ جَرَيانَهُما إلى يَوْمِ القِيامَةِ مِن جُمْلَةِ ما في حَيِّزِ رُؤْيَتِهِ ﷺ هَذا، وقَدْ جُعِلَ جَرَيانُهُما عِبارَةً عَنْ حَرَكَتِهِما الخاصَّةِ بِهِما في فَلَكِهِما، والأجَلُ المُسَمّى عَنْ مُنْتَهى دَوْرَتِهِما، وجُعِلَ مُدَّةُ الجَرَيانِ لِلشَّمْسِ سَنَةً، ولِلْقَمَرِ شَهْرًا. فالجُمْلَةُ حِينَئِذٍ بَيانٌ لِحُكْمِ تَسْخِيرِهِما، وتَنْبِيهٌ عَلى كَيْفِيَّةِ إيلاجِ أحَدِ المَلَوَيْنِ في الآخَرِ، وكَوْنُ ذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِلافِ جَرَيانِ الشَّمْسِ عَلى مَداراتِها اليَوْمِيَّةِ فَكُلَّما كانَ جَرَيانُها مُتَوَجِّهًا إلى سَمْتِ الرَّأْسِ، تَزْدادُ القَوْسُ الَّتِي هي فَوْقَ الأرْضِ كِبَرًا، فَيَزْدادُ النَّهارُ طُولًا بِانْضِمامِ بَعْضِ أجْزاءِ اللَّيْلِ إلَيْهِ إلى أنْ يَبْلُغَ المَدارَ الَّذِي هو أقْرَبُ المَداراتِ إلى سَمْتِ الرَّأْسِ، وذَلِكَ عِنْدَ بُلُوغِها إلى رَأْسِ السَّرَطانِ، ثُمَّ تَرْجِعُ مُتَوَجِّهَةً إلى التَّباعُدِ عَنْ سَمْتِ الرَّأْسِ فَلا تَزالُ القِسِيُّ الَّتِي هي فَوْقَ الأرْضِ تَزْدادُ صِغَرًا فَيَزْدادُ النَّهارُ قِصَرًا؛ بِانْضِمامِ بَعْضِ أجْزائِهِ إلى اللَّيْلِ إلى أنْ يَبْلُغَ المَدارَ الَّذِي هو أبْعَدُ المَداراتِ اليَوْمِيَّةِ عَنْ سَمْتِ الرَّأْسِ، وذَلِكَ عِنْدَ بُلُوغِها بُرْجَ الجَدْيِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ عَطْفٌ عَلى: ﴿أنَّ اللَّهَ يُولِجُ﴾ ... إلَخْ. داخِلٌ مَعَهُ في حَيِّزِ الرُّؤْيَةِ عَلى تَقْدِيرَيْ خُصُوصِ الخِطابِ وعُمُومِهِ، فَإنَّ مَن شاهَدَ مِثْلَ ذَلِكَ الصُّنْعِ الرّائِقِ، والتَّدْبِيرِ الفائِقِ، لا يَكادُ يَغْفُلُ عَنْ كَوْنِ صانِعِهِ عَزَّ وجَلَّ مُحِيطًا بِجَلائِلِ أعْمالِهِ ودَقائِقِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب