الباحث القرآني

﴿وَمن آياته أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ﴾ أيْ: بِإرادَتِهِ تَعالى لِقِيامِهِما. والتَّعْبِيرُ عَنْها بِالأمْرِ لِلدِّلالَةِ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ، والغِنى عَنِ المَبادِئِ والأسْبابِ، ولَيْسَ المُرادُ بِإقامَتِهِما إنْشاءَهُما؛ لِأنَّهُ قَدْ بُيِّنَ حالُهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمن آياته خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ . ولا إقامَتِهِما بِغَيْرِ مُقِيمٍ مَحْسُوسٍ كَما قِيلَ. فَإنَّ ذَلِكَ مِن تَتِمّاتِ إنْشائِهِما، وإنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ تَعْوِيلًا عَلى ما ذُكِرَ في غَيْرِ مَوْضِعٍ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها﴾ ... الآيَةَ. (p-58)بَلْ قِيامَهُما واسْتِمْرارُهُما عَلى ما هُما عَلَيْهِ إلى أجْلِهِما الَّذِي نَطَقَ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى فِيما قَبْلُ. ما خَلَقَ اللَّهُ ﴿السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلا بِالحَقِّ وأجَلٍ مُسَمًّى﴾ وحَيْثُ كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ مُتَأخِّرَةً عَنْ سائِرِ الآياتِ المَعْدُودَةِ، مُتَّصِلَةً بِالبَعْثِ في الوُجُودِ أُخِّرَتْ عَنْهُنَّ، وجُعِلَتْ مُتَّصِلَةً بِهِ في الذِّكْرِ أيْضًا، فَقِيلَ: ﴿ثُمَّ إذا دَعاكم دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ فَإنَّهُ كَلامٌ مَسُوقٌ لِلْإخْبارِ بِوُقُوعِ البَعْثِ، ووُجُودِهِ بَعْدَ انْقِضاءِ أجْلِ قِيامِهِما مُتَرَتِّبٌ عَلى تَعْدادِ آياتِهِ الدّالَّةِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ في سِلْكِها كَما قِيلَ. كَأنَّهُ قِيلَ: ومن آياته قِيامُ السَّماواتِ والأرْضِ عَلى هَيْئاتِهِما بِأمْرِهِ تَعالى إلى أجَلٍ مُسَمًّى، قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعالى لِقِيامِهِما. ثُمَّ إذا دَعاكُمْ، أيْ: بَعْدَ انْقِضاءِ الأجَلِ مِنَ الأرْضِ، وأنْتُمْ في قُبُورِكم دَعْوَةً واحِدَةً. بِأنْ قالَ: أيُّها المَوْتى، اخْرُجُوا فاجَأْتُمُ الخُرُوجَ مِنها، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ﴾ . و "مِنَ الأرْضِ" مُتَعَلِّقٌ بِـ دَعاكم إذْ يَكْفِي في ذَلِكَ كَوْنُ المَدْعُوِّ فِيها يُقالُ: دَعْوَتُهُ مِن أسْفَلِ الوادِي، فَطَلَعَ إلَيَّ لا بِـ تَخْرُجُونَ؛ لِأنَّ ما بَعْدَ إذا لا يَعْمَلُ فِيما قَبْلَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب