الباحث القرآني

﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ ﴿وَلَهُ الحَمْدُ في السَّماواتِ والأرْضِ وعَشِيًّا وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ إثْرَ ما بَيَّنَ حالَ فَرِيقَيِ المُؤْمِنِينَ العامِلِينَ لِلصّالِحاتِ، والكافِرِينَ المُكَذِّبِينَ بِالآياتِ، وما لَهُما مِنَ الثَّوابِ والعَذابِ. أُمِرُوا بِما يُنَجِّي مِنَ الثّانِي، ويُفْضِي إلى الأوَّلِ مِن تَنْزِيهِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ سُبْحانَهُ، ومِن حَمْدِهِ تَعالى عَلى نِعَمِهِ العِظامِ، وتَقْدِيمُ الأوَّلِ عَلى الثّانِي لِما أنَّ التَّخْلِيَةَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلى التَّحْلِيَةِ. و "الفاءُ" لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها، أيْ: إذا عَلِمْتُمْ ذَلِكَ فَسَبِّحُوا اللَّهَ تَعالى، أيْ: نَزِّهُوهُ عَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ، أيْ: تَسْبِيحَهُ اللّائِقَ في هَذِهِ الأوْقاتِ. واحْمَدُوهُ فَإنَّ الإخْبارَ بِثُبُوتِ الحَمْدِ لَهُ تَعالى، ووُجُوبِهِ عَلى المُمَيَّزِينَ مِن أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ في مَعْنى الأمْرِ بِهِ عَلى أبْلَغَ وجْهٍ وآكَدِهِ، وتَوْسِيطُهُ بَيْنَ أوْقاتِ التَّسْبِيحِ لِلِاعْتِناءِ بِشَأْنِهِ، والإشْعارِ بِأنَّ حَقَّهُما أنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُما، كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ . وقَوْلُهُ ﷺ: « "مَن قالَ حِينَ يُصْبِحُ وحِينَ يُمْسِي سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ.» وقَوْلُهُ ﷺ: «مَن قالَ حِينَ يُصْبِحُ وحِينَ يُمْسِي سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أحَدٌ يَوْمَ القِيامَةِ بِأفْضَلَ مِمّا جاءَ بِهِ، إلّا أحَدٌ قالَ مِثْلَ ما قالَ أوْ زادَ عَلَيْهِ.» وقَوْلُهُ ﷺ: «كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ عَلى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ.» وغَيْرُ ذَلِكَ مِمّا لا يُحْصى مِنَ الآياتِ والأحادِيثِ، وتَخْصِيصُهُما بِتِلْكَ الأوْقاتِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ ما يَحْدُثُ فِيها مِن آياتِ قدرته، وأحْكامِ (p-55)رَحْمَتِهِ، ونِعْمَتِهِ شَواهِدُ ناطِقَةٌ بِتَنَزُّهِهِ تَعالى، واسْتِحْقاقِهِ الحَمْدَ، ومُوجِبَةٌ لِتَسْبِيحِهِ، وتَحْمِيدِهِ حَتْمًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَعَشِيًّا﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾ وتَقْدِيمُهُ عَلى ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ لِمُراعاةِ الفَواصِلِ. وتَغْيِيرُ الأُسْلُوبِ لِما أنَّهُ لا يَجِيءُ مِنهُ الفِعْلُ بِمَعْنى الدُّخُولِ في العَشِيِّ كالمَساءِ والصَّباحِ والظَّهِيرَةِ، ولَعَلَّ السِّرَّ في ذَلِكَ أنَّهُ لَيْسَ مِنَ الأوْقاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيها أحْوالُ النّاسِ، وتَتَغَيَّرُ تَغَيُّرًا ظاهِرًا مُصَحِّحًا لِوَصْفِهِمْ بِالخُرُوجِ عَمّا قَبْلَها، والدُّخُولِ فِيها كالأوْقاتِ المَذْكُورَةِ، فَإنَّ كُلًّا مِنها وقْتٌ تَتَغَيَّرُ فِيهِ الأحْوالُ تَغَيُّرًا ظاهِرًا، أمّا في المَساءِ والصَّباحِ فَظاهِرٌ، وأمّا في الظَّهِيرَةِ فَلِأنَّها وقْتٌ يُعْتادُ فِيهِ التَّجَرُّدُ عَنِ الثِّيابِ لِلْقَيْلُولَةِ، كَما مَرَّ في سُورَةِ النُّورِ. وقِيلَ المُرادُ بِالتَّسْبِيحِ والحَمْدِ: الصَّلاةُ؛ لِاشْتِمالِها عَلَيْهِما. وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ الآيَةَ جامِعَةٌ لِلصَّلَواتِ الخَمْسِ تُمْسُونَ صَلاتا المَغْرِبِ والعَشاءِ، وتُصْبِحُونَ صَلاةُ الفَجْرِ، وعَشِيًّا صَلاةُ العَصْرِ، وتُظْهِرُونَ صَلاةُ الظُّهْرِ. ولِذَلِكَ ذَهَبَ الحَسَنُ إلى أنَّها مَدَنِيَّةٌ إذْ كانَ يَقُولُ إنَّ الواجِبَ بِمَكَّةَ رَكْعَتانِ في أيِّ وقْتٍ اتَّفَقَتا، وإنَّما فُرِضَتِ الخَمْسُ بِالمَدِينَةِ. والجُمْهُورُ عَلى أنَّها فُرِضَتْ بِمَكَّةَ، وهو الحَقُّ لِحَدِيثِ المِعْراجِ، وفي آخِرِهِ هُنَّ خَمْسُ صَلَواتٍ كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ. عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَن سَرَّهُ أنْ يُكالَ لَهُ بِالقَفِيزِ الأوْفى فَلْيَقُلْ: "فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ"» ... الآيَةَ. وعَنْهُ ﷺ «مَن قالَ حِينَ يُصْبِحُ: "فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ" إلى قَوْلِهِ تَعالى: "وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ" أدْرَكَ ما فاتَهُ في يَوْمِهِ. ومَن قالَها حِينَ يُمْسِي أدْرَكَ ما فاتَهُ في لَيْلَتِهِ.» وقُرِئَ: (حِينًا تُمْسُونَ وحِينًا تُصْبِحُونَ) أيْ: تُمْسُونَ فِيهِ، وتُصْبِحُونَ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب