الباحث القرآني

﴿قُلْ آمَنّا بِاللَّهِ﴾ أمْرٌ لِلرَّسُولِ ﷺ بِأنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ ومَن مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِالإيمانِ بِما ذُكِرَ، و جَمْعُ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا﴾ وهو القرآن لِما أنَّهُ مُنْزَلٌ عَلَيْهِمْ أيْضًَا بِتَوَسُّطِ تَبْلِيغِهِ إلَيْهِمْ أوْ لِأنَّ المَنسُوبَ إلى واحِدٍ مِنَ الجَماعَةِ قَدْ يُنْسَبُ إلى الكُلِّ أوْ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ وهو الأنْسَبُ بِما بَعْدَهُ، و الجَمْعُ لِإظْهارِ جَلالَةِ قَدْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ و رِفْعَةِ مَحَلِّهِ بِأمْرِهِ بِأنْ يَتَكَلَّمَ عَنْ نَفْسِهِ عَلى دَيْدَنِ المُلُوكِ، و يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الأمْرُ عامًَّا و الإفْرادُ لِتَشْرِيفِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ و الإيذانِ بِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أصْلٌ في ذَلِكَ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ . ﴿وَما أُنْزِلَ عَلى إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ والأسْباطِ﴾ مِنَ الصُّحُفِ والنُّزُولُ كَما يُعَدّى بِـ "إلى" لِانْتِهائِهِ إلى الرُّسُلِ يُعَدّى بِـ "عَلى" لِأنَّهُ مِن (p-55)فَوْقَ ومَن رامَ الفَرْقَ بِأنَّ "عَلى" لِكَوْنِ الخِطابِ لِلنَّبِيِّ ﷺ، و "إلى" لِكَوْنِ الخِطابِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ تَعَسَّفَ ألا يَرى إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ إلَخْ. وقَوْلِهِ ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلى الَّذِينَ آمِنُوا﴾ إلَخْ وإنَّما قَدَّمَ المُنْزَلَ عَلى الرَّسُولِ ﷺ عَلى ما أُنْزِلَ عَلى سائِرِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمِ السَّلامُ مَعَ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ نُزُولًَا لِأنَّهُ المَعْرُوفُ لَهُ و العِيارُ عَلَيْهِ، و "الأسْباطُ" جَمْعُ سِبْطٍ وهو الحافِدُ، و المُرادُ بِهِمْ حَفَدَةُ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ و أبْناؤُهُ الِاثْنا عَشَرَ وذَرارِيهِمْ، فَإنَّهم حَفَدَةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ. ﴿وَما أُوتِيَ مُوسى وعِيسى ﴾ مِنَ التَّوْراةِ و الإنْجِيلِ وسائِرِ المُعْجِزاتِ الظّاهِرَةِ بِأيْدِيهِما كَما يُنْبِئُ عَنْهُ إيثارُ الإيتاءِ عَلى الإنْزالِ الخاصِّ بِالكِتابِ وتَخْصِيصُهُما بِالذِّكْرِ لِما أنَّ الكَلامَ مَعَ اليَهُودِ والنَّصارى. ﴿والنَّبِيُّونَ﴾ عَطْفٌ عَلى مُوسى وعِيسى عَلَيْهِما السَّلامُ، أيْ: وما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنَ المَذْكُورِينَ وغَيْرُهم. ﴿مِن رَبِّهِمْ﴾ مِنَ الكُتُبِ والمُعْجِزاتِ. ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنهُمْ﴾ كَدَأْبِ اليَهُودِ والنَّصارى آمَنُوا بِبَعْضٍ و كَفَرُوا بِبَعْضٍ بَلْ نُؤْمِنُ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ كُلٍّ مِنهم و بِحَقِّيَّةِ ما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ في زَمانِهِمْ، و عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِنَفْيِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الكُتُبِ لِاسْتِلْزامِ المَذْكُورِ إيّاهُ وقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ﴾ . وهَمْزَةُ "أحَدٍ" إمّا أصْلِيَّةٌ فَهو اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَن يَصْلُحُ أنْ يُخاطَبَ يَسْتَوِي فِيهِ المُفْرَدُ والمُثَنّى والمَجْمُوعُ والمُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ، ولِذَلِكَ صَحَّ دُخُولُ "بَيْنَ" عَلَيْهِ كَما في مِثْلِ: المالُ بَيْنَ النّاسِ، و إمّا مُبْدَلَةٌ مِنَ الواوِ فَهو بِمَعْنىً واحِدٍ وعُمُومُهُ لِوُقُوعِهِ في حَيِّزِ النَّفْيِ، و صِحَّةُ دُخُولِ "بَيْنَ" عَلَيْهِ بِاعْتِبارِ مَعْطُوفٍ قَدْ حُذِفَ لِظُهُورِهِ، أيْ: بَيْنَ أحَدٍ مِنهم وغَيْرِهِ كَما في قَوْلِ النّابِغَةِ: ؎ فَما كانَ بَيْنَ الخَيْرِ إذْ جاءَ سالِمًَا ∗∗∗ أبُو حَجَرٍ إلّا لَيالٍ قَلائِلُ ، أيْ: بَيْنَ الخَيْرِ وبَيْنِي. ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ أيْ: مُنْقادُونَ أوْ مُخْلِصُونَ لَهُ تَعالى أنْفُسَنا لا نَجْعَلُ لَهُ شَرِيكًَا فِيها، و فِيهِ تَعْرِيضٌ بِإيمانِ أهْلِ الكِتابِ فَإنَّهُ بِمَعْزِلٍ مِن ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب