الباحث القرآني
﴿فَنادَتْهُ المَلائِكَةُ﴾ كانَ المُنادِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كَما تُفْصِحُ عَنْهُ قِراءَةُ مَن قَرَأ، فَناداهُ جِبْرِيلُ و الجَمْعُ كَما في قَوْلِهِمْ فُلانٌ يَرْكَبُ الخَيْلَ ويَلْبَسُ الثِّيابَ ومالَهُ غَيْرُ فَرَسٍ وثَوْبٍ. قالَ الزَّجّاجُ: أيْ: أتاهُ النِّداءُ مِن هَذا الجِنْسِ الَّذِينَ هُمُ المَلائِكَةُ. وقِيلَ: لَمّا كانَ جِبْرائِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ رَئِيسَهم عُبِّرَ عَنْهُ بِاسْمِ الجَماعَةِ تَعْظِيمًَا لَهُ. وقِيلَ: الرَّئِيسُ لا بُدَّ لَهُ مِن أتْباعٍ، فَأسْنَدَ النِّداءَ إلى الكُلِّ مَعَ كَوْنِهِ صادِرًَا عَنْهُ خاصَّةً. وقُرِئَ فَنادِاهُ بِالإمالَةِ.
﴿وَهُوَ قائِمٌ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ مِن مَفْعُولِ النِّداءِ مُقَرِّرٌ لِما أفادَهُ الفاءُ مِن حُصُولِ البِشارَةِ عَقِيبَ الدُّعاءِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَصْلى﴾ إمّا صِفَةٌ لِ قائِمٌ أوْ خَبَرٌ ثانٍ عِنْدِ مَن يَرى تَعَدُّدَهُ عِنْدَ كَوْنِ الثّانِي جُمْلَةً كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا هي حَيَّةٌ تَسْعى﴾ أوْ حالٌ أُخْرى مِنهُ عَلى القَوْلِ بِتَعَدُّدِها بِلا عَطْفٍ و لا بَدَلِيَّةٍ أوْ حالٌ مِنَ المُسْتَكِنِّ في "قائِمٌ". وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي المِحْرابِ﴾ أيْ: في المَسْجِدِ أوْ في غُرْفَةِ مَرْيَمَ مُتَعَلِّقٌ بِـ ﴿يُصَلِّي﴾ أوْ بِـ ﴿قائِمٌ﴾ عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ ﴿يُصَلِّي﴾ حالًَا مِن ضَمِيرِ ﴿قائِمٌ﴾ لِأنَّ العامِلَ فِيهِ، و في الحالِ حِينَئِذٍ شَيْءٌ واحِدٌ فَلا يَلْزَمُ الفَصْلُ بِالأجْنَبِيِّ كَما يَلْزَمُ عَلى التَّقادِيرِ الباقِيَةِ.
﴿أنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى﴾ أيْ: بِأنَّ اللَّهَ. وقُرِئَ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى تَقْدِيرِ القَوْلِ أوْ إجْراءِ النِّداءِ مَجْراهُ لِكَوْنِهِ (p-32)نَوْعًَا مِنهُ. وقُرِئَ "يُبْشِرُكَ" مِنَ الإبْشارِ، و "يَبْشُرُكَ" مِنَ الثُّلاثِيِّ، وأيًَّا ما كانَ؛ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ هَذا الكَلامُ إلى آخِرِهِ مَحْكِيًَّا بِعِبارَتِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى مِنهاجِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ﴾ الآيَةُ. كَما يَلُوحُ بِهِ مُراجَعَتُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الجَوابِ إلَيْهِ تَعالى بِالذّاتِ لا بِواسِطَةِ المَلِكِ، والعُدُولُ عَنْ إسْنادِ التَّبْشِيرِ إلى نُونِ العَظَمَةِ حَسْبَما وقَعَ في سُورَةِ مَرْيَمَ لِلْجَرْيِ عَلى سُنَنِ الكِبْرِياءِ كَما في قَوْلِ الخُلَفاءِ: أمِيرُ المُؤْمِنِينَ يَرْسُمُ لَكَ بِكَذا، و لِلْإيذانِ بِأنَّ ما حُكِيَ هُناكَ مِنَ النِّداءِ و التَّبْشِيرِ و ما يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ المُحاوَرَةِ كانَ كُلُّ ذَلِكَ بِتَوَسُّطِ المَلِكِ بِطَرِيقِ الحِكايَةِ عَنْهُ سُبْحانَهُ لا بِالذّاتِ كَما هو المُتَبادِرُ، و بِهَذا يَتَّضِحُ اتِّحادُ المَعْنى في السُّورَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ، فَتَأمَّلْ. و "يَحْيى" اسْمٌ أعْجَمِيٌّ وإنْ جُعِلَ عَرَبِيًَّا فَمَنعُ صَرْفِهِ لِلتَّعْرِيفِ و وزْنِ الفِعْلِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: "إنَّما سُمِّيَ يَحْيى لِأنَّ اللَّهَ تَعالى أحْيا بِهِ عُقْرَ أُمِّهِ". و قالَ قَتادَةُ: لِأنَّهُ تَعالى أحْيا قَلْبَهُ بِالإيمانِ. قالَ القُرْطُبِيُّ: كانَ اسْمُهُ في الكِتابِ الأوَّلِ حَيًَّا، و لا بُدَّ مِن تَقْدِيرِ مُضافٍ يَعُودُ إلَيْهِ الحالُ، أيْ: بِوِلادَةِ يَحْيى فَإنَّ التَّبْشِيرَ لا يَتَعَلَّقُ بِالأعْيانِ.
﴿مُصَدِّقًا﴾ حالٌ مُقَدَّرَةٌ مِن يَحْيى.
﴿بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ: بِعِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، و إنَّما سُمِّيَ "كَلِمَةً" لِأنَّهُ وُجِدَ بِكَلِمَةِ كُنْ مِن غَيْرِ أبٍ، فَشابَهَ البَدِيعِيّاتِ الَّتِي هي عالَمُ الأمْرِ، و "مِن" لِابْتِداءِ الغايَةِ مَجازًَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةٍ لِـ "كَلِمَةٍ"، أيْ: بِكَلِمَةٍ كائِنَةٍ مِنهُ تَعالى. قِيلَ: هو أوَّلُ مَن آمَنَ بِهِ وصَدَّقَ بِأنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ و رُوحٌ مِنهُ. و قالَ السُّدِّيُّ: لَقِيَتْ أُمُّ يَحْيى أُمَّ عِيسى فَقالَتْ: يا مَرْيَمُ أشَعَرْتِ بِحَبَلِي، فَقالَتْ مَرْيَمُ: وأنا أيْضًَا حُبْلى، قالَتْ: فَإنِّي وجَدْتُ ما في بَطْنِي يَسْجُدُ لِما في بَطْنِكِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ﴾ إلَخْ... وقالَ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أنَّ يَحْيى كانَ أكْبَرَ مِن عِيسى عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ بِسِتَّةِ أشْهُرٍ. وقِيلَ: بِثَلاثِ سِنِينَ، و قُتِلَ قَبْلَ رَفْعِ عِيسى عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وعَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَكُونُ بَيْنَ وِلادَةِ يَحْيى وبَيْنَ البِشارَةِ بِها زَمانٌ مَدِيدٌ لِما أنَّ مَرْيَمَ ولَدَتْ وهي بِنْتُ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً أوْ بِنْتُ عَشْرِ سِنِينَ. وقِيلَ: بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، أيْ: بِكِتابِ اللَّهِ سُمِّيَ كَلِمَةً كَما قِيلَ: كَلِمَةُ الحُوَيْدِرَةِ لِقَصِيدَتِهِ.
﴿وَسَيِّدًا﴾ عَطْفٌ عَلى مُصَدِّقًَا، أيْ: رَئِيسًَا يَسُودُ قَوْمَهُ ويَفُوقُهم في الشَّرَفِ، وكانَ فائِقًَا لِلنّاسِ قاطِبَةً فَإنَّهُ لَمْ يُلِمَّ بِخَطِيئَةٍ ولَمْ يُهِمَّ بِمَعْصِيَةٍ فَيالَها مِن سِيادَةٍ ما أسْناها.
﴿وَحَصُورًا﴾ عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَهُ، أيْ: مُبالِغًَا في حَصْرِ النَّفْسِ وحَبْسِها عَنِ الشَّهَواتِ مَعَ القُدْرَةِ. رُوِيَ أنَّهُ مَرَّ في صِباهُ بِصِبْيانٍ فَدَعَوْهُ إلى اللَّعِبِ، فَقالَ: ما لِلَّعِبِ خُلِقْتُ.
﴿وَنَبِيًّا﴾ عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَهُ مُتَرَتِّبٌ عَلى ما عُدِّدَ مِنَ الخِصالِ الحَمِيدَةِ.
﴿مِنَ الصّالِحِينَ﴾ أيْ: ناشِئًَا مِنهُمْ، لِأنَّهُ كانَ مِن أصْلًَابِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أوْ كائِنًَا مِن جُمْلَةِ المَشْهُورِينَ بِالصَّلاحِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنَّهُ في الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ﴾ والمُرادُ بِالصَّلاحِ: ما فَوْقَ الصَّلاحِ الَّذِي لابُدَّ مِنهُ في مَنصِبِ النُّبُوَّةِ البَتَّةَ مِن أقاصِي مَراتِبِهِ، وعَلَيْهِ مَبْنِيٌّ دُعاءُ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿وَأدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحِينَ﴾ .
{"ayah":"فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَهُوَ قَاۤىِٕمࣱ یُصَلِّی فِی ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحۡیَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَیِّدࣰا وَحَصُورࣰا وَنَبِیࣰّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق