الباحث القرآني
﴿لَتُبْلَوُنَّ﴾ شُرُوعٌ في تَسْلِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ومَن مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ عَمّا سَيَلْقَوْنَهُ مِن جِهَةِ الكَفَرَةِ مِنَ المَكارِهِ إثْرَ تَسْلِيَتِهِمْ عَمّا قَدْ وقَعَ مِنهم لِيُوَطِّنُوا أنْفُسَهم عَلى احْتِمالِهِ عِنْدَ وُقُوعِهِ ويَسْتَعِدُّوا لِلِقائِهِ ويُقابِلُوهُ بِحُسْنِ الصَّبْرِ والثَّباتِ فَإنَّ هُجُومَ الأوْجالِ مِمّا يُزَلْزِلُ أقْدامَ الرِّجالِ والِاسْتِعْدادَ لِلْكُرُوبِ مِمّا يُهَوِّنُ الخُطُوبَ، وأصْلُ الِابْتِلاءِ: الِاخْتِبارُ، أيْ: تَطْلُبُ الخِبْرَةَ بِحالِ المُخْتَبَرِ بِتَعْرِيضِهِ لِأمْرٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ غالِبًَا مُلابَسَتُهُ ومُقارَفَتُهُ وذَلِكَ إنَّما يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً مِمّا لا وُقُوفَ لَهُ عَلى عَواقِبِ الأُمُورِ، وأمّا مِن جِهَةِ العَلِيمِ الخَبِيرِ فَلا يَكُونُ إلّا مَجازًَا مِن تَمْكِينِهِ لِلْعَبْدِ مِنِ اخْتِيارِ أحَدِ الأمْرَيْنِ أوِ الأُمُورِ قَبْلَ أنْ يُرَتِّبَ عَلَيْهِ شَيْئًَا هو مِن مَبادِيهِ العادِيَّةِ كَما مَرَّ، والجُمْلَةُ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ أيْ: واللَّهِ لَتُبْلَوُنَّ، أيْ: لَتُعامَلُنَّ مُعامَلَةَ المُخْتَبَرِ لِيَظْهَرَ ما عِنْدَكم مِنَ الثَّباتِ عَلى الحَقِّ والأعْمالِ الحَسَنَةِ وفائِدَةُ التَّوْكِيدِ إمّا تَحْقِيقُ مَعْنى الِابْتِلاءِ تَهْوِينًَا لِلْخَطْبِ، وإمّا تَحْقِيقُ وُقُوعِ المُبْتَلى بِهِ مُبالَغَةً في الحَثِّ عَلى ما أُرِيدَ مِنهم مِنَ التَّهَيُّؤِ والِاسْتِعْدادِ.
﴿فِي أمْوالِكُمْ﴾ بِما يَقَعُ فِيها مِن ضُرُوبِ الآفاتِ المُؤَدِّيَةِ إلى هَلاكِها، وأمّا إنْفاقُها في سَبِيلِ الخَيْرِ مُطْلَقًَا فَلا يَلِيقُ نَظْمًَا في سِلْكِ الِابْتِلاءِ لِما أنَّهُ مِن بابِ الإضْعافِ لا مِن قَبِيلِ الإتْلافِ.
﴿وَأنْفُسِكُمْ﴾ بِالقَتْلِ والأسْرِ والجِراحِ وما يَرِدُ عَلَيْها مِن أصْنافِ المَتاعِبِ والمَخاوِفِ والشَّدائِدِ ونَحْوِ ذَلِكَ، وتَقْدِيمُ الأمْوالِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الهَلَكَةِ فِيها.
﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوُا الكِتابَ مِنَ قَبْلِكُمْ﴾ أيْ: مِن قَبْلِ إيتائِكُمُ القرآن، وهُمُ اليَهُودُ والنَّصارى، عَبَّرَ عَنْهم بِذَلِكَ لِلْإشْعارِ بِمَدارِ الشِّقاقِ والإيذانِ بِأنَّ بَعْضَ ما يَسْمَعُونَهُ مِنهم مُسْتَنِدٌ عَلى زَعْمِهِمْ إلى الكِتابِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ (p-124)اللَّهَ عَهِدَ إلَيْنا﴾ إلَخْ، والتَّصْرِيحُ بِالقَبْلِيَّةِ لِتَأْكِيدِ الإشْعارِ وتَقْوِيَةِ المَدارِ فَإنَّ قِدَمَ نُزُولِ كِتابِهِمْ مِمّا يُؤَيِّدُ تَمَسُّكَهم بِهِ.
﴿وَمِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا أذًى كَثِيرًا﴾ مِنَ الطَّعْنِ في الدِّينِ الحَنِيفِ والقَدْحِ في أحْكامِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وصَدِّ مَن أرادَ أنْ يُؤْمِنَ وتَخْطِئَةِ مَن آمَنَ وما كانَ مِن كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ وأضْرابِهِ مِن هِجاءِ المُؤْمِنِينَ وتَحْرِيضِ المُشْرِكِينَ عَلى مُضادَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ونَحْوِ ذَلِكَ مِمّا لا خَيْرَ فِيهِ.
﴿وَإنْ تَصْبِرُوا﴾ أيْ: عَلى تِلْكَ الشَّدائِدِ والبَلْوى عِنْدَ وُرُودِها وتُقابِلُوها بِحُسْنِ التَّجَمُّلِ.
﴿وَتَتَّقُوا﴾ أيْ: تَتَبَتَّلُوا إلى اللَّهِ تَعالى بِالكُلِّيَّةِ مُعْرِضِينَ عَمّا سِواهُ بِالمَرَّةِ بِحَيْثُ يَتَساوى عِنْدَكم وُصُولُ المَحْبُوبِ ولِقاءُ المَكْرُوهِ.
﴿فَإنَّ ذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى الصَّبْرِ والتَّقْوى وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإيذانِ بِعُلُوِّ دَرَجَتِهِما وبُعْدِ مَنزِلَتِهِما، وتَوْحِيدُ حَرْفِ الخِطابِ إمّا بِاعْتِبارِ كُلِّ واحِدٍ مِنَ المُخاطَبِينَ، وإمّا لِأنَّ المُرادَ بِالخِطابِ مُجَرَّدُ التَّنْبِيهِ مِن غَيْرِ مُلاحَظَةِ خُصُوصِيَّةِ أحْوالِ المُخاطَبِينَ.
﴿مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ مِن مَعْزُوماتِها الَّتِي يَتَنافَسُ فِيها المُتَنافِسُونَ أىْ مِمّا يُحِبُّ أنْ يَعْزِمَ عَلَيْهِ كُلُّ أحَدٍ لِما فِيهِ مِن كَمالِ المَزِيَّةِ والشَّرَفِ أوْ مِمّا عَزَمَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وأمَرَ بِهِ وبالَغَ فِيهِ، يَعْنِي أنَّ ذَلِكَ عَزْمَةٌ مِن عَزَماتِ اللَّهِ تَعالى لا بُدَّ أنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا، والجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِجَوابِ الشَّرْطِ واقِعٌ مَوْقِعَهُ كَأنَّهُ قِيلَ: وإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَهو خَيْرٌ لَكم أوْ فافْعَلُوا أوْ فَقَدْ أحْسَنْتُمْ أوْ فَقَدْ أصَبْتُمْ فَإنَّ ذَلِكَ إلَخْ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إشارَةً إلى صَبْرِ المُخاطَبِينَ وتَقْواهم فالجُمْلَةُ حِينَئِذٍ جَوابُ الشَّرْطِ، وفي إبْرازِ الأمْرِ بِالصَّبْرِ والتَّقْوى في صُورَةِ الشَّرْطِيَّةِ مِن إظْهارِ كَمالِ اللُّطْفِ بِالعِبادِ ما لا يَخْفى.
{"ayah":"۞ لَتُبۡلَوُنَّ فِیۤ أَمۡوَ ٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوۤا۟ أَذࣰى كَثِیرࣰاۚ وَإِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ذَ ٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق