الباحث القرآني

﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهُ فَقِيرٌ ونَحْنُ أغْنِياءُ﴾ قالَتْهُ اليَهُودُ لَمّا سَمِعُوا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ . ورُوِيَ «أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَتَبَ مَعَ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى يَهُودِ بَنِي قَيْنُقاعَ يَدْعُوهم إلى الإسْلامِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وأنْ يُقْرِضُوُا اللَّهَ قَرْضًَا حَسَنًَا فَقالَ فِنْحاصُ: إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ حَتّى سَألَنا القَرْضَ فَلَطَمَهُ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في وجْهِهِ وقالَ: لَوْلا الَّذِي بَيْنَنا وبَيْنَكم مِنَ العَهْدِ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ فَشَكاهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وجَحَدَ ما قالَهُ فَنَزَلَتْ.» والجَمْعُ حِينَئِذٍ مَعَ كَوْنِ القائِلِ واحِدًَا لِرِضا الباقِينَ بِذَلِكَ، والمَعْنى: أنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ تَعالى وأعَدَّ لَهُ مِنَ العَذابِ كُفْأهُ، والتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالسَّماعِ لِلْإيذانِ بِأنَّهُ مِنَ الشَّناعَةِ والسَّماجَةِ بِحَيْثُ لا يَرْضى قائِلُهُ بِأنْ يَسْمَعَهُ سامِعٌ، والتَّوْكِيدُ القَسَمِيُّ لِلتَّشْدِيدِ في التَّهْدِيدِ والمُبالَغَةِ في الوَعِيدِ. ﴿سَنَكْتُبُ ما قالُوا﴾ أيْ: سَنَكْتُبُ ما قالُوهُ مِنَ العَظِيمَةِ الشَّنْعاءِ في صَحائِفِ الحَفَظَةِ أوْ سَنَحْفَظُهُ ونُثْبِتُهُ في عِلْمِنا لا نَنْساهُ ولا نُهْمِلُهُ كَما يَثْبُتُ المَكْتُوبُ والسِّينُ لِلتَّأْكِيدِ، أيْ: لَنْ يَفُوتَنا أبَدًَا تَدْوِينُهُ وإثْباتُهُ لِكَوْنِهِ في غايَةِ العِظَمِ والهَوْلِ، كَيْفَ لا؟ وهو كُفْرٌ بِاللَّهِ تَعالى واسْتِهْزاءٌ بِالقرآن العَظِيمِ والرَّسُولِ الكَرِيمِ ولِذَلِكَ عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَتْلَهُمُ الأنْبِياءَ﴾ إيذانًَا بِأنَّهُما في العِظَمِ أخَوانِ وتَنْبِيهًَا عَلى أنَّهُ لَيْسَ بِأوَّلِ جَرِيمَةٍ ارْتَكَبُوها بَلْ لَهم فِيهِ سَوابِقُ وأنَّ مَنِ اجْتَرَأ عَلى قَتْلِ الأنْبِياءِ لَمْ يُسْتَبْعَدْ مِنهُ أمْثالُ هَذِهِ العَظائِمِ، والمُرادُ بِقَتْلِهِمُ الأنْبِياءَ: رِضاهم بِفِعْلِ أسْلافِهِمْ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًَا مِن "قَتْلَهُمْ"، أيْ: كائِنًَا بِغَيْرِ حَقٍّ في اعْتِقادِهِمْ أيْضًَا كَما هو في نَفْسِ الأمْرِ. وقُرِئَ "سَيَكْتُبُ" عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ و"سَيُكْتَبُ" عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ و"قَتْلُهُمْ" بِالرَّفْعِ. ﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ﴾ أيْ: ونَنْتَقِمُ مِنهم بَعْدَ الكَتْبَةِ بِأنْ نَقُولَ لَهم ذُوقُوُا العَذابَ المُحْرِقَ كَما أذَقْتُمُ المُسْلِمِينَ الغُصَصَ، وفِيهِ مِنَ المُبالَغاتِ ما لا يَخْفى. وقُرِئَ "وَيَقُولُ" بِالياءِ، ويُقالُ: عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب