﴿وَلِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنِفٌ سِيقَ لِبَيانِ اخْتِصاصِ مَلَكُوتِ كُلِّ الكائِناتِ بِهِ عَزَّ وجَلَّ إثْرَ بَيانِ اخْتِصاصِ طَرَفٍ مِن ذَلِكَ بِهِ سُبْحانَهُ تَقْرِيرًَا لِما سَبَقَ وتَكْمِلَةً لَهُ، وتَقْدِيمُ الجارِّ لِلْقَصْرِ وكَلِمَةُ "ما" شامِلَةٌ لِلْعُقَلاءِ أيْضًَا تَغْلِيبًَا، أيْ: لَهُ ما فِيهِما مِنَ المَوْجُوداتِ خَلْقًَا ومِلْكًَا لا مَدْخَلَ فِيهِ لِأحَدٍ أصْلًَا فَلَهُ الأمْرُ كُلُّهُ.
﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ﴾ أنْ يَغْفِرَ لَهُ مَشِيئَةً مَبْنِيَّةً عَلى الحِكَمِ والمَصالِحِ.
﴿وَيُعَذِّبُ مَن يَشاءُ﴾ أنْ يُعَذِّبَهُ بِعَمَلِهِ مَشِيئَةً كَذَلِكَ، وإيثارُ كَلِمَةِ "مَن" في المَوْضِعَيْنِ لِاخْتِصاصِ المَغْفِرَةِ والتَّعْذِيبِ بِالعُقَلاءِ، وتَقْدِيمُ المَغْفِرَةِ عَلى التَّعْذِيبِ لِلْإيذانِ بِسَبْقِ رَحْمَتِهِ تَعالى غَضَبَهُ وبِأنَّها مِن مُقْتَضَياتِ الذّاتِ دُونَهُ فَإنَّهُ مِن مُقْتَضَياتِ سَيِّئاتِ العُصاةِ، وهَذا صَرِيحٌ في نَفْيِ وُجُوبِ التَّعْذِيبِ والتَّقْيِيدُ بِالتَّوْبَةِ وعَدَمِها كالمُنافِي لَهُ.
﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ تَعالى: يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ مَعَ زِيادَةٍ وفي تَخْصِيصِ التَّذْيِيلِ بِهِ دُونَ قَرِينَةٍ مِنَ الاعْتِناءِ بِشَأْنِ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ ما لا يَخْفى.
{"ayah":"وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ یَغۡفِرُ لِمَن یَشَاۤءُ وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}