الباحث القرآني

(p-76)﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً﴾ بِطانَةُ الرَّجُلِ ووَلِيجَتُهُ مَن يُعَرِّفُهُ أسْرارَهُ ثِقَةً بِهِ شُبِّهَ بِبِطانَةِ الثَّوْبِ كَما شُبِّهَ بِالشِّعارِ، قالَ ﷺ: « "الأنْصارُ شِعارٌ والنّاسُ دِثارٌ".» قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: كانَ رِجالٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ يُواصِلُونَ اليَهُودَ لِما بَيْنَهم مِنَ القَرابَةِ والصَّداقَةِ والحِلْفِ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. وقالَ مُجاهِدُ: نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ كانُوا يُواصِلُونَ المُنافِقِينَ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا لَقُوكم قالُوا آمَنّا وإذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ﴾ وهي صِفَةُ المُنافِقِ وأيًَّا ما كانَ؛ فالحُكْمُ عامٌّ لِلْكَفَرَةِ كافَّةً. ﴿مِن دُونِكُمْ﴾ أيْ: مِن دُونِ المُسْلِمِينَ، وهو مُتَعَلِّقٌ بِـ ﴿لا تَتَّخِذُوا﴾ أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةٍ لِـ ﴿بِطانَةً﴾ أيْ: كائِنَةً مِن دُونِكم مُجاوِزَةً لَكم. ﴿لا يَأْلُونَكم خَبالا﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِحالِهِمْ داعِيَةٌ إلى الِاجْتِنابِ عَنْهم أوْ صِفَةُ "بِطانَةً"، يُقالُ: ألّا في الأمْرِ إذا قَصَّرَ فِيهِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مُعَدّىً إلى المَفْعُولَيْنِ في قَوْلِهِمْ: "لا آلُوكَ نُصْحًَا ولا آلُوكَ جُهْدًَا" عَلى تَضْمِينِ مَعْنى المَنعِ والنَّقْصِ والخَبالُ الفَسادُ، أيْ: لا يُقَصِّرُونَ لَكم في الفَسادِ. ﴿وَدُّوا ما عَنِتُّمْ﴾ أيْ: تَمَنَّوْا عَنَتَكُمْ، أيْ: مَشَقَّتَكم وشِدَّةَ ضَرَرِكُمْ، وهو أيْضًَا اسْتِئْنافٌ مُؤَكِّدٌ لِلنَّهْيِ مُوجِبٌ لِزِيادَةِ الِاجْتِنابِ عَنِ المَنهِيِّ عَنْهُ. ﴿قَدْ بَدَتِ البَغْضاءُ مِن أفْواهِهِمْ﴾ اسْتِئْنافٌ آخَرُ مُفِيدٌ لِمَزِيدِ الِاجْتِنابِ عَنِ المَنهِيِّ عَنْهُ، أيْ: قَدْ ظَهَرَتِ البَغْضاءُ في كَلامِهِمْ لِما أنَّهم لا يَتَمالَكُونَ مَعَ مُبالَغَتِهِمْ في ضَبْطِ أنْفُسِهِمْ وتَحامُلِهِمْ عَلَيْها أنْ يَنْفَلِتَ مِن ألْسِنَتِهِمْ ما يُعْلَمُ بِهِ بُغْضُهم لِلْمُسْلِمِينَ. وقُرِئَ "قَدْ بَدا البَغْضاءُ". و "الأفْواهُ" جَمْعُ فَمٍ وأصْلُهُ فُوهٌ فَلامُهُ هاءٌ يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ جَمْعُهُ عَلى أفْواهٍ وتَصْغِيرُهُ عَلى فُوَيْهٍ والنِّسْبَةُ إلَيْهِ فُوهِيٌّ. ﴿وَما تُخْفِي صُدُورُهم أكْبَرُ﴾ مِمّا بَدا، لِأنَّ بُدُوَّهُ لَيْسَ عَنْ رَوِيَّةٍ واخْتِيارٍ. ﴿قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ﴾ الدّالَّةَ عَلى وُجُوبِ الإخْلاصِ في الدِّينِ ومُوالاةِ المُؤْمِنِينَ ومُعاداةِ الكافِرِينَ. ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أيْ: إنْ كُنْتُمْ مِن أهْلِ العَقْلِ أوْ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ما بُيِّنَ لَكم مِنَ الآياتِ، والجَوابُ مَحْذُوفٌ لِدِلالَةِ المَذْكُورِ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب