الباحث القرآني
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنِفٌ سِيقَ لِتَثْبِيتِ المُؤْمِنِينَ عَلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ الاتِّفاقِ عَلى الحَقِّ والدَّعْوَةِ إلى الخَيْرِ، و "كُنْتُمْ" مِن كانَ النّاقِصَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلى تَحَقُّقِ شَيْءٍ بِصِفَةٍ في الزَّمانِ الماضِي مِن غَيْرِ دِلالَةٍ عَلى عَدَمِ سابِقٍ أوْ لاحِقٍ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ . وقِيلَ: كُنْتُمْ كَذَلِكَ في عِلْمِ اللَّهِ تَعالى أوْ في اللَّوْحِ أوْ فِيما بَيْنَ الأُمَمِ السّالِفَةِ. وقِيلَ: مَعْناهُ: أنْتُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ.
﴿أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ صِفَةٌ لِـ ﴿أُمَّةٍ﴾ واللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ ﴿أُخْرِجَتْ﴾ أيْ: أُظْهِرَتْ لَهم. وقِيلَ: بِخَيْرِ أُمَّةٍ، أيْ: كُنْتُمْ خَيْرَ النّاسِ لِلنّاسِ، فَهو صَرِيحٌ في أنَّ الخَيْرِيَّةَ بِمَعْنى النَّفْعِ لِلنّاسِ وإنْ فُهِمَ ذَلِكَ مِنَ الإخْراجِ لَهم أيْضًَا، أيْ: أُخْرِجَتْ لِأجْلِهِمْ ومَصْلَحَتِهِمْ. قالَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ النّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ في السَّلاسِلِ فَتُدْخِلُونَهم في الإسْلامِ. و قالَ قَتادَةُ: هم أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ لَمْ يُؤْمَرْ نَبِيٌّ (p-71)قَبْلَهُ بِالقِتالِ، فَهم يُقاتِلُونَ الكُفّارَ فَيُدْخِلُونَهم في الإسْلامِ فَهم خَيْرُ أُمَّةٍ لِلنّاسِ.
﴿تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ اسْتِئْنافٌ مُبَيِّنٌ لِكَوْنِكم خَيْرَ أُمَّةٍ، كَما يُقالُ: "زَيْدٌ كَرِيمٌ يُطْعِمُ النّاسَ ويَكْسُوهم ويَقُومُ بِمَصالِحِهِمْ"، أوْ خَبَرٌ ثانٍ لِـ ﴿كُنْتُمْ﴾ وصِيغَةُ الِاسْتِقْبالِ لِلدِّلالَةِ عَلى الِاسْتِمْرارِ وخِطابُ المُشافَهَةِ وإنْ كانَ خاصًَّا بِمَن شاهَدَ الوَحْيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكِنَّ حُكْمَهُ عامٌّ لِلْكُلِّ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: يُرِيدُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ. وقالَ الزَّجّاجُ: أصْلُ هَذا الخِطابِ لِأصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهو يَعُمُّ سائِرَ أُمَّتِهِ. ورَوى التِّرْمِذِيُّ «عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾: "أنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أنْتُمْ خَيْرُها وأكْرَمُها عَلى اللَّهِ تَعالى"» وظاهِرٌ أنَّ المُرادَ بِكُلِّ أُمَّةٍ أوائِلُهم وأواخِرُهم لا أوائِلُهم فَقَطْ، فَلا بُدَّ أنْ تَكُونَ أعْقابُ هَذِهِ الأُمَّةِ أيْضًَا داخِلَةً في الحُكْمِ، وكَذا الحالُ فِيما رُوِيَ أنَّ مالِكَ بْنَ الصَّيْفِ ووَهْبَ بْنَ يَهُوذا اليَهُودِيَّيْنِ مَرّا بِنَفَرٍ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِمُ ابْنُ مَسْعُودٍ وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ومُعاذُ بْنُ جَبَلٍ وسالِمٌ مَوْلى حُذَيْفَةَ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَقالا لَهُمْ: نَحْنُ أفْضَلُ مِنكم ودِينُنا خَيْرٌ مِمّا تَدْعُونَنا إلَيْهِ. ورَوى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾: الَّذِينَ هاجَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلى المَدِينَةِ. ورُوِيَ عَنِ الضَّحّاكِ أنَّهم أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً الرُّواةُ والدُّعاةُ الَّذِينَ أمَرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ بِطاعَتِهِمْ.
﴿وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ أيْ: إيمانًَا مُتَعَلِّقًَا بِكُلِّ ما يَجِبُ أنْ يُؤْمَنَ بِهِ مِن رَسُولٍ وكِتابٍ وحِسابٍ وجَزاءٍ وإنَّما لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ تَفْصِيلًَا لِظُهُورٍ أنَّهُ الَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ المُؤْمِنُونَ ولِلْإيذانِ بِأنَّهُ هو الإيمان باللَّهِ تَعالى حَقِيقَةً وأنَّ ما خَلا عَنْ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ كَإيمانِ أهْلِ الكِتابِ لَيْسَ مِنَ الإيمانِ بِهِ تَعالى في شَيْءٍ. قالَ تَعالى: ﴿وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ونَكْفُرُ بِبَعْضٍ ويُرِيدُونَ أنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا﴾ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ حَقًّا﴾ وإنَّما أُخِّرَ ذَلِكَ عَنِ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ مَعَ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِما وُجُودًَا ورُتْبَةً لِأنَّ دِلالَتَهُما عَلى خَيْرِيَّتِهِمْ لِلنّاسِ أظْهَرُ مِن دِلالَتِهِ عَلَيْها، ولِيَقْتَرِنَ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتابِ لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ أيْ: لَوْ آمَنُوا كَإيمانِكم لَكانَ ذَلِكَ خَيْرًَا لَهم مِمّا هم عَلَيْهِ مِنَ الرِّياسَةِ واسْتِتْباعِ العَوامِّ ولازْدادَتْ رِياسَتُهم وتَمَتُّعُهم بِالحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَعَ الفَوْزِ بِما وُعِدُوهُ عَلى الإيمانِ مِن إيتاءِ الأجْرِ مَرَّتَيْنِ. وقِيلَ: مِمّا هم فِيهِ مِنَ الكُفْرِ، فالخَيْرِيَّةُ إنَّما هي بِاعْتِبارِ زَعْمِهِمْ وفِيهِ ضَرْبُ تَهَكُّمٍ بِهِمْ وإنَّما لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُؤْمَنِ بِهِ أصْلًَا لِلْإشْعارِ بِظُهُورِ أنَّهُ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الإيمانِ لا يَذْهَبُ الوَهْمُ إلى غَيْرِهِ ولَوْ فَصَّلَ المُؤْمَنَ بِهِ هَهُنا أوْ فِيما قَبْلُ لَرُبَّما فُهِمَ أنَّ لِأهْلِ الكِتابِ أيْضًَا إيمانًَا في الجُمْلَةِ لَكِنَّ إيمانَ المُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مِنهُ، وهَيْهاتَ ذَلِكَ.
﴿مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ سِيقَتْ جَوابًَا عَمّا نَشَأ مِنَ الشَّرْطِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى انْتِفاءِ الخَيْرِيَّةِ لِانْتِفاءِ الإيمانِ عَنْهُمْ، كَأنَّهُ قِيلَ: هَلْ مِنهم مَن آمَنَ أوْ كُلُّهم عَلى الكُفْرِ، فَقِيلَ: مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ المَعْهُودُونَ الفائِزُونَ بِخَيْرِ الدّارَيْنِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وأصْحابِهِ.
﴿وَأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾ المُتَمَرِّدُونَ في الكُفْرِ الخارِجُونَ عَنِ الحُدُودِ.
{"ayah":"كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق