الباحث القرآني
﴿وَلْتَكُنْ مِنكم أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ﴾ أمَرَهُمُ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِتَكْمِيلِ الغَيْرِ وإرْشادِهِ إثْرَ أمْرِهِمْ بِتَكْمِيلِ النَّفْسِ وتَهْذِيبِها بِما قَبْلَهُ مِنَ الأوامِرِ والنَّواهِي تَثْبِيتًَا لِلْكُلِّ عَلى مُراعاةِ ما فِيها مِنَ الأحْكامِ بِأنْ يَقُومَ بَعْضُهم بِمَواجِبِها ويُحافِظَ عَلى حُقُوقِها وحُدُودِها ويُذَكِّرَها النّاسَ كافَّةً ويَرْدَعَهم عَنِ الإخْلالِ بِها، والجُمْهُورُ عَلى إسْكانِ لامِ الأمْرِ، وقُرِئَ بِكَسْرِها عَلى الأصْلِ وهو مِن كانَ التّامَّةِ، و "مِن" تَبْعِيضِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالأمْرِ أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًَا مِنَ الفاعِلِ وهو ﴿أُمَّةٌ﴾ و ﴿يَدْعُونَ﴾ صِفَتُها، أيْ: لِتُوجَدْ مِنكم أُمَّةٌ داعِيَةٌ إلى الخَيْرِ، والأُمَّةُ هي الجَماعَةُ الَّتِي يَؤُمُّها فِرَقُ النّاسِ، أيْ: يَقْصِدُونَها ويَقْتَدُونَ بِها أوْ مِنَ النّاقِصَةِ و ﴿أُمَّةٌ﴾ اسْمُها و"يَدْعُونَ" خَبَرُها، أيْ: لِتَكُنْ مِنكم أُمَّةٌ داعِينَ إلى الخَيْرِ وأيًَّا ما كانَ؛ فَتَوْجِيهُ الخِطابِ إلى الكُلِّ مَعَ إسْنادِ الدَّعْوَةِ إلى البَعْضِ لِتَحْقِيقِ مَعْنى فَرْضِيَّتِها عَلى الكِفايَةِ وأنَّها واجِبَةٌ عَلى الكُلِّ لَكِنْ بِحَيْثُ إنْ أقامَها البَعْضُ سَقَطَتْ عَنِ الباقِينَ ولَوْ أخَلَّ بِها الكُلُّ أثِمُوا جِمِيعًَا لا بِحَيْثُ يَتَحَتَّمُ عَلى الكُلِّ إقامَتُها عَلى ما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً﴾ الآيَةُ. ولِأنَّها مِن عَظائِمِ الأُمُورِ وعَزائِمِها الَّتِي لا يَتَوَلّاها إلّا العُلَماءُ بِأحْكامِهِ تَعالى ومَراتِبِ الِاحْتِسابِ وكَيْفِيَّةِ إقامَتِها فَإنَّ مَن يَعْلَمُها يُوشِكُ أنْ يَأْمُرَ بِمُنْكَرٍ ويَنْهى عَنْ مَعْرُوفٍ ويُغْلِظَ في مَقامِ اللِّينِ ويَلِينَ في مَقامِ الغِلْظَةِ ويُنْكِرَ عَلى مَن لا يَزِيدُهُ الإنْكارُ إلّا التَّمادِيَ والإصْرارَ، وقِيلَ: "مِن" بَيانِيَّةٌ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوُا الصّالِحاتِ مِنهُمْ﴾ الآيَةُ. والأمْرُ مِن كانَ النّاقِصَةِ والمَعْنى: كُونُوا أُمَّةً يَدْعُونَ الآيَةُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ الآيَةُ. ولا يَقْتَضِي ذَلِكَ كَوْنَ الدَّعْوَةِ فَرْضَ عَيْنٍ فَإنَّ الجِهادَ مِن فُرُوضِ الكِفايَةِ مَعَ ثُبُوتِهِ بِالخِطاباتِ العامَّةِ، والدُّعاءُ إلى الخَيْرِ عِبارَةٌ عَنِ الدُّعاءِ إلى ما فِيهِ صَلاحٌ دِينِيٌّ أوْ دُنْيَوِيٌّ فَعَطْفُ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ مَعَ انْدِراجِهِما فِيهِ مِن بابِ عَطْفِ الخاصِّ عَلى العامِّ لِإظْهارِ فَضْلِهِما وإنافَتِهِما عَلى سائِرِ الخَيْراتِ كَعَطْفِ جِبْرِيلَ ومِيكالَ عَلى المَلائِكَةِ عَلَيْهِمِ السَّلامُ، وحَذْفُ المَفْعُولِ الصَّرِيحِ مِنَ الأفْعالِ الثَّلاثَةِ إمّا لِلْإيذانِ بِظُهُورِهِ، أيْ: يَدْعُونَ النّاسَ ويَأْمُرُونَهم ويَنْهَوْنَهُمْ، (p-68)وَإمّا لِلْقَصْدِ إلى إيجادِ نَفْسِ الفِعْلِ كَما في قَوْلِكَ: "فُلانٌ يُعْطِي ويَمْنَعُ" أيْ: يَفْعَلُونَ الدُّعاءَ إلى الخَيْرِ والأمْرَ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ.
﴿وَأُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى الأُمَّةِ المَذْكُورَةِ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِمْ بِما ذُكِرَ مِنَ النُّعُوتِ الفاضِلَةِ وكَمالِ تَمَيُّزِهِمْ بِذَلِكَ عَمَّنْ عَداهم وانْتِظامِهِمْ بِسَبَبِهِ في سِلْكِ الأُمُورِ المُشاهَدَةِ، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإشْعارِ بِعُلُوِّ طَبَقَتِهِمْ وبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ في الفَضْلِ، والإفْرادُ في كافِ الخِطابِ إمّا لِأنَّ المُخاطَبَ كُلُّ مَن يَصْلُحُ لِلْخِطابِ وإمّا لِأنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، أيْ: أُولَئِكَ المَوْصُوفُونَ بِتِلْكَ الصِّفاتِ الكامِلَةِ.
﴿هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ أيْ: هُمُ الأخِصّاءُ بِكَمالِ الفَلاحِ، و "هُمْ" ضَمِيرُ فَصْلٍ يَفْصِلُ بَيْنَ الخَبَرِ والصِّفَةِ ويُؤَكِّدُ النِّسْبَةَ ويُفِيدُ اخْتِصاصَ المُسْنَدِ بِالمُسْنَدِ إلَيْهِ أوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ "المُفْلِحُونَ" والجُمْلَةُ خَبَرٌ لِـ "أُولَئِكَ" وتَعْرِيفُ ﴿المُفْلِحُونَ﴾ إمّا لِلْعَهْدِ أوْ لِلْإشارَةِ إلى ما يَعْرِفُهُ كُلُّ أحَدٍ مِن حَقِيقَةِ المُفْلِحِينَ. رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ خَيْرِ النّاسِ فَقالَ: "آمَرُهم بِالمَعْرُوفِ وأنْهاهم عَنِ المُنْكَرِ وأتْقاهم لِلَّهِ وأوْصَلُهم لِلرَّحِمِ".» وعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: « "مَن أمَرَ بِالمَعْرُوفِ ونَهى عَنِ المُنْكَرِ فَهو خَلِيفَةُ اللَّهِ في أرْضِهِ وخَلِيفَةُ رَسُولِهِ وخَلِيفَةُ كِتابِهِ".» وعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: « "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكم عَذابًَا مِن عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ".» وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أفْضَلُ الجِهادِ الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ ومَن شَنَأ الفاسِقِينَ وغَضِبَ لِلَّهِ غَضِبَ اللَّهُ لَهُ"، والأمْرُ بِالمَعْرُوفِ في الوُجُوبِ والنَّدْبِ تابِعٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، وأمّا النَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ فَواجِبٌ كُلُّهُ فَإنَّ جَمِيعَ ما أنْكَرَهُ الشَّرْعُ حَرامٌ، والعاصِي يَجِبُ عَلَيْهِ النَّهْيُ عَمّا ارْتَكَبَهُ إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ وإنْكارُهُ فَلا يَسْقُطُ بِتَرْكِ أحَدِهِما وُجُوبُ شَيْءٍ مِنهُما. والتَّوْبِيخُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ﴾ إنَّما هو عَلى نِسْيانِ أنْفُسِهِمْ لا عَلى أمْرِهِمْ بِالبِرِّ، وعَنِ السَّلَفِ: مُرُوا بِالخَيْرِ وإنْ لَمْ تَفْعَلُوا.
{"ayah":"وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةࣱ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَیۡرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق