الباحث القرآني

(p-303)﴿ألَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ﴾ الرُّؤْيَةُ قَلْبِيَّةٌ لا بَصَرِيَّةٌ؛ لِأنَّ نَفْسَ اللَّيْلِ والنَّهارِ وإنْ كانا مِنَ المُبْصِراتِ لَكِنْ جَعْلُهُما كَما ذُكِرَ مِن قَبِيلِ المَعْقُولاتِ؛ أيْ: ألَمْ يَعْلَمُوا أنّا جَعَلْنا اللَّيْلَ بِما فِيهِ مِنَ الإظْلامِ لَيَسْتَرِيحُوا فِيهِ بِالنَّوْمِ والقَرارِ ﴿والنَّهارَ مُبْصِرًا﴾ أيْ: لِيُبْصِرُوا بِما فِيهِ مِنَ الإضاءَةِ طُرُقَ التَّقَلُّبِ في أُمُورِ المَعاشِ فَبُولِغَ فِيهِ، حَيْثُ جُعِلَ الإبْصارُ الَّذِي هو حالُ النّاسِ حالًا لَهُ ووَصْفًا مِن أوْصافِهِ الَّتِي جُعِلَ عَلَيْها بِحَيْثُ لا يَنْفَكُّ عَنْها ولَمْ يَسْلَكْ في اللَّيْلِ هَذا المَسْلَكَ لِما أنَّ تَأْثِيرَ ظَلامِ الليِّلِ في السُّكُونِ لَيْسَ بِمَثابَةِ تَأْثِيرِ ضَوْءِ النَّهارِ في الأبْصارِ. ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ أيْ: في جَعْلِهِما كَما وُصِفا وما في اسْمِ الإشارَةِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإشْعارِ بِبُعْدِ دَرَجَتِهِ في الفَضْلِ ﴿لآياتٍ﴾ أيْ: عَظِيمَةً كَثِيرَةً ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ دالَّةٌ عَلى صِحَّةِ البَعْثِ وصِدْقِ الآياتِ النّاطِقَةِ بِهِ دَلالَةً واضِحَةً، كَيْفَ لا وإنَّ مَن تَأمَّلَ في تَعاقُبِ الليْلِ والنَّهارِ واخْتِلافِهِما عَلى وُجُوهٍ بَدِيعَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلى حِكَمٍ رائِقَةٍ تَحارُ في فَهْمِها العُقُولُ ولا يُحِيطُ بِها إلّا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ وشاهَدَ في الآفاقِ تَبَدُّلَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ المُحاكِيَةِ لِلْمَوْتِ بِضِياءِ النَّهارِ المُضاهِي لِلْحَيَّةِ وعايَنَ في نَفْسِهِ تَبَدُّلَ النُّومِ الَّذِي هو أخُو المَوْتِ بِالِانْتِباهِ الَّذِي هو مِثْلُ الحَياةِ قَضى بِأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن في القُبُورِ قَضاءً مُتْقَنًا، وجَزْمَ بِأنَّهُ تَعالى قَدْ جَعَلَ هَذا أُنْمُوذَجًا لَهُ ودَلِيلًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى تَحَقُّقِهِ، وأنَّ الآياتِ النّاطِقَةَ بِهِ وبِكَوْنِ حالِ اللَّيْلِ والنَّهارِ بُرْهانًا عَلَيْهِ وسائِرَ الآياتِ كُلِّها حَقٌّ نازِلٌ مِن عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب