الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ مَفْعُولٌ لَهُ إمّا لِلصَّدِّ أوْ لِلتَّزْيِينِ عَلى حَذْفِ اللّامِ مِنهُ، أيْ: فَصَدَّهم لِئَلّا يَسْجُدُوا لَهُ تَعالى، أوْ زَيَّنَ لَهم أعْمالَهم لِئَلّا يَسْجُدُوا، أوْ بَدَلٌ عَلى حالِهِ مِن أعْمالِهِمْ وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ، أيْ: زَيَّنَ لَهم أنْ لا يَسْجُدُوا، وقِيلَ: هو في مَوْقِعِ المَفْعُولِ لَيَهْتَدُونَ بِإسْقاطِ الخافِضِ، و"لا" مَزِيدَةٌ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِئَلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ...﴾ والمَعْنى: فَهم لا يَهْتَدُونَ إلى أنْ يَسْجُدُوا لَهُ تَعالى. وقُرِئَ: ألا يا اسْجُدُوا عَلى التَّنْبِيهِ، والنِّداءُ والمُنادى مَحْذُوفٌ، أيْ: ألا يا قَوْمُ اسْجُدُوا كَما (p-282)فِي قَوْلِهِ: ؎ ألا يا اسْلَمِي يا دارَ مَيَّ عَلى البِلى .... وَنَظائِرُهُ، وعَلى هَذا يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْتِئْنافًا مِن جِهَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، أوْ مِن سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، ويُوقَفُ عَلى لا يَهْتَدُونَ ويَكُونُ أمْرًا بِالسُّجُودِ، وعَلى الوُجُوهِ المُتَقَدِّمَةِ ذَمًّا عَلى تَرْكِهِ، وأيًّا ما كانَ فالسُّجُودُ واجِبٌ. وقُرِئَ: "هَلّا" و "هَلا" بِقَلْبِ الهَمْزَتَيْنِ هاءً، وقُرِئَ: "هَلّا" تَسْجُدُونَ بِمَعْنى: ألا تَسْجُدُونَ عَلى الخِطابِ. ﴿الَّذِي يُخْرِجُ الخَبْءَ في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ: يَظْهَرُ ما هو مَخْبُوءٌ ومُخْفى فِيهِما كائِنًا ما كانَ. وتَخْصِيصُ هَذا الوَصْفِ بِالذِّكْرِ بِصَدَدِ بَيانِ تَفَرُّدِهِ تَعالى بِاسْتِحْقاقِ السُّجُودِ لَهُ مِن بَيْنِ سائِرِ أوْصافِهِ المُوجِبَةِ لِذَلِكَ لِما أنَّهُ أرْسَخُ في مَعْرِفَتِهِ والإحاطَةِ بِأحْكامِهِ بِمُشاهَدَةِ آثارِهِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما أوْدَعَهُ اللَّهُ تَعالى في نَفْسِهِ مِنَ القُدْرَةِ عَلى مَعْرِفَةِ الماءِ تَحْتَ الأرْضِ، وأشارَ بِعَطْفِ قَوْلِهِ: ﴿وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وما تُعْلِنُونَ﴾ عَلى يَخْرُجُ إلى أنَّهُ تَعالى يَخْرُجُ ما في العالِمِ الإنْسانِيِّ مِنَ الخَفايا كَما يَخْرُجُ ما في العالَمِ الكَبِيرِ مِنَ الخَبايا لِما أنَّ المُرادَ يَظْهَرُ ما تُخْفُونَهُ مِنَ الأحْوالِ فَيُجازِيكم بِها، وذِكْرُ ما تُعْلِنُونَ لِتَوْسِيعِ دائِرَةِ العِلْمِ، أوْ لِلتَّنْبِيهِ عَلى تَساوِيهِما بِالنِّسْبَةِ إلى العِلْمِ الإلَهِيِّ. وقُرِئَ: "ما يُخْفُونَ وما يُعْلِنُونَ" عَلى صِيغَةِ الغَيْبَةِ بِلا التِفاتٍ وإخْراجُ الخَبْءِ يَعُمُّ إشْراقَ الكَواكِبِ وإظْهارَها مِن آفاقِها بَعْدَ اسْتِنارِها وراءَها وإنْزالَ الأمْطارِ وإنْباتَ النَّباتِ، بَلِ الإنْشاءَ الَّذِي هو إخْراجُ ما في الشَّيْءِ بِالقُوَّةِ إلى الفِعْلِ، والإبْداعِ الَّذِي هو إخْراجُ ما في الإمْكانِ والعَدَمِ إلى الوُجُودِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن غُيُوبِهِ عَزَّ وجَلَّ. وقُرِئَ: "الخَبَ" بِتَخْفِيفِ الهَمْزَةِ بِالحَذْفِ، وقُرِئَ: "الخَبّا" بِتَخْفِيفِها بِالقَلْبِ، وقُرِئَ: "ألّا تَسْجُدُونَ لِلَّهِ الَّذِي يَخْرُجُ الخَبْءَ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ ويَعْلَمُ سِرَّكم وما تُعْلِنُونَ" .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب