الباحث القرآني

(p-223)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ قَبَضْناهُ﴾ عَطْفٌ عَلى مَدَّ داخِلٌ في حُكْمِهِ، و"ثُمَّ" لِلتَّراخِي الزَّمانِيِّ لِما أنَّ في بَيانِ كَوْنِ القَبْضِ والمَدِّ مُرَتَّبَيْنِ دائِرَيْنِ عَلى قُطْبِ مَصالِحَ المَخْلُوقاتِ مَزِيدَ دَلالَةٍ عَلى الحِكْمَةِ الرَّبّانِيَّةِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلتَّراخِي الرُّتْبِيِّ، أيْ: أزَلْناهُ بَعْدَ ما أنْشَأْناهُ مُمْتَدًّا ومَحَوْناهُ بِمَحْصِ قُدْرَتِنا ومَشِيئَتِنا عِنْدَ إيقاعِ شُعاعِ الشَّمْسِ مَوْقِعَهُ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ في ذَلِكَ أصْلًا، وإنَّما عَبَّرَ عَنْهُ بِالقَبْضِ المُنْبِئِ عَنْ جَمِيعِ المُنْبَسِطِ وطَيِّهِ لِما أنَّهُ قَدْ عَبَّرَ عَنْ إحْداثِهِ بِالمَدِّ الَّذِي هو البَسْطُ طُولًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلَيْنا﴾ لِلتَّنْصِيصِ عَلى كَوْنِ مَرْجِعِهِ إلَيْهِ تَعالى كَما أنَّ حُدُوثَهُ مِنهُ عَزَّ وجَلَّ. ﴿قَبْضًا يَسِيرًا﴾ أيْ: عَلى مَهْلٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَسَبَ ارْتِفاعِ دَلِيلِهِ عَلى وتِيرَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُطَّرِدَةٍ مُسْتَتْبَعَةٍ لِمَصالِحِ المَخْلُوقاتِ ومَرافِقِها، وقِيلَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى حِينَ بَنى السَّماءَ كالقِبْلَةِ المَضْرُوبَةِ ودَحا الأرْضَ تَحْتَها ألْقَتِ القُبَّةُ ظِلَّها عَلى الأرْضِ لِعَدَمِ النَّيِّرِ وذَلِكَ مَدُّهُ تَعالى إيّاهُ ولَوْ شاءَ لِجَعَلَهُ ساكِنًا مُسْتَقَرًّا عَلى تِلْكَ الحالَةِ، ثُمَّ خَلَقَ الشَّمْسَ وجَعَلَها عَلى ذَلِكَ الظِّلِّ، أيْ: سَلَّطَها عَلَيْهِ ونَصَبَها دَلِيلًا مَتْبُوعًا لَهُ كَما يَتَّبِعُ الدَّلِيلَ في الطَّرِيقِ فَهو يَزِيدُ بِها ويَنْقُصُ، ويَمْتَدُّ ويَقْلُصُ، ثُمَّ نَسَخَهُ بِها فَقَبَضَهُ قَبْضًا سَهْلًا يَسِيرًا غَيْرَ عَسِيرًا، وقَبْضًا سَهْلًا عِنْدَ قِيامِ السّاعَةِ بِقَبْضِ أسْبابِهِ، وهي: الأجْرامُ الَّتِي تُلْقِي الظِّلَّ فَيَكُونُ قَدْ ذُكِرَ إعْدامُهُ بِإعْدامِ أسْبابِهِ كَما ذُكِرَ إنْشاؤُهُ بِإنْشائِها، ووَصْفُهُ بِاليُسْرِ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ﴾ وصِيغَةُ الماضِي لِلدَّلالَةِ عَلى تَحَقُّقِ الوُقُوعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب