الباحث القرآني

﴿وَلَقَدْ أتَوْا﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيانِ مُشاهَدَتِهِمْ لِآثارِ هَلاكِ بَعْضِ الأُمَمِ المُتَبَّرَةِ وعَدَمِ اتِّعاظِهِمْ بِها، وتَصْدِيرُها بِالقَسَمِ لِمَزِيدِ تَقْرِيرِ مَضْمُونِها، أيْ: وبِاللَّهِ لَقَدْ أتى قُرَيْشٌ في مَتاجِرِهِمْ إلى الشّامِ. ﴿عَلى القَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ﴾ أيْ: أُهْلِكَتْ بِالحِجارَةِ، وهي قُرى قَوْمِ لُوطٍ وكانَتْ خَمْسَ قُرى ما نَجَتْ مِنها إلّا واحِدَةٌ كانَ أهْلُها لا يَعْمَلُونَ العَمَلَ الخَبِيثَ، وأمّا البَواقِي فَأهْلَكَها اللَّهُ تَعالى بِالحِجارَةِ وهي المُرادَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَطَرَ السَّوْءِ﴾ . وانْتِصابُهُ إمّا عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ بِحَذْفِ الزَّوائِدِ كَما قِيلَ في أنْبَتَهُ اللَّهُ تَعالى نَباتًا حَسَنًا، أيْ: إمْطارَ السَّوْءِ أوْ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ؛ إذِ المَعْنى: أعْطَيْتُ أوْ أوْلَيْتُ مَطَرَ السَّوْءِ. ﴿أفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها﴾ تَوْبِيخٌ لَهم عَلى تَرْكِهِمُ التَّذَكُّرَ عِنْدَ مُشاهَدَةِ ما يُوجِبُهُ، والهَمْزَةُ لِإنْكارِ نَفْيِ اسْتِمْرارِ رُؤْيَتِهِمْ لَها وتَقْرِيرِ اسْتِمْرارِها حَسَبَ اسْتِمْرارِ ما يُوجِبُها مِنَ اِتْيانِهِمْ عَلَيْها لا لِإنْكارِ اسْتِمْرارِ نَفْيِ رُؤْيَتِهِمْ وتَقْرِيرِ رُؤْيَتِهِمْ لَها في الجُمْلَةِ. والفاءُ لِعَطْفِ مَدْخُولِها عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ المَقامُ، أيْ: ألَمْ يَكُونُوا يَنْظُرُونَ إلَيْها فَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها، أوْ أكانُوا يَنْظُرُونَ إلَيْها فَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها في مِرارِ مُرُورِهِمْ لِيَتَّعِظُوا بِما كانُوا يُشاهِدُونَهُ مِنَ اثارِ العَذابِ. فالمُنْكِرُ في الأوَّلِ تَرْكُ النَّظَرِ وعَدَمُ الرُّؤْيَةِ مَعًا، وفي الثّانِي عَدَمُ الرُّؤْيَةِ مَعَ تَحَقُّقِ النَّظَرِ المُوجِبِ لَهُ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾ إمّا إضْرابٌ عَمّا قَبْلَهُ مِن عَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ لِآثارِ ما جَرى عَلى أهْلِ القُرى مِنَ العُقُوبَةِ وبَيانٌ لِكَوْنِ عَدَمِ اتِّعاظِهِمْ بِسَبَبِ إنْكارِهِمْ لِكَوْنِ ذَلِكَ عُقُوبَةً (p-220)لِمَعاصِيهِمْ لا لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ لِآثارِها خَلا أنَّهُ اكْتَفى عَنِ التَّصْرِيحِ بِإنْكارِهِمْ ذَلِكَ بِذِكْرِ ما يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ اِنْكارِهِمْ لِلْجَزاءِ الأُخْرَوِيِّ الَّذِي هو الغايَةُ مِن خَلْقِ العالَمِ وقَدْ كُنِّيَ عَنْ ذَلِكَ بِعَدَمِ النُّشُورِ، أيْ: عَدَمُ تَوَقُّعِهِ، كَأنَّهُ قِيلَ: بَلْ كانُوا يُنْكِرُونَ النُّشُورَ المُسْتَتْبَعَ لِلْجَزاءِ الأُخْرَوِيِّ ولا يَرَوْنَ لِنَفْسٍ مِنَ النُّفُوسِ نُشُورًا أصْلًا مَعَ تَحَقُّقِهِ حَتْمًا وشُمُولِهِ لِلنّاسِ عُمُومًا واطِّرادِهِ وُقُوعًا فَكَيْفَ يَعْتَرِفُونَ بِالجَزاءِ الدُّنْيَوِيِّ في حَقِّ طائِفَةٍ خاصَّةٍ مَعَ عَدَمِ الِاطِّرادِ والمُلازَمَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَعاصِي حَتّى يَتَذَكَّرُوا ويَتَّعِظُوا بِما شاهَدُوهُ مِنَ اثارِ الهَلاكِ وإنَّما يَحْمِلُونَهُ عَلى الِاتِّفاقِ، وأمّا انْتِقالٌ مِنَ التَّوْبِيخِ بِما ذُكِرَ مِن تَرْكِ التَّذَكُّرِ إلى التَّوْبِيخِ بِما هو أعْظَمُ مِنهُ مِن عَدَمِ تَوَقُّعِ النُّشُورِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب