الباحث القرآني

﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾ بَعْدَما بَيَّنَ حَقِيقَةَ الحَقِّ في مَطْلَعِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ بِذِكْرِ تَنَـزُّلِهِ تَعالى لِلْفُرْقانِ العَظِيمِ عَلى رَسُولِهِ ﷺ ووَصْفِهِ تَعالى بِصِفاتِ الكَمالِ وتَنْـزِيهِهِ عَمّا لا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ الجَلِيلِ عَقَّبَ ذَلِكَ بِحِكايَةِ أباطِيلِ المُشْرِكِينَ في حَقٍ المُنَـزِّلِ سُبْحانَهُ والمُنْـزَلِ والمُنْزَلِ عَلَيْهِ عَلى التَّرْتِيبِ، وإظْهارُ بُطْلانِها (p-202)والإضْمارُ مِن غَيْرِ جَرَيانِ ذِكْرِهِمْ لِلثِّقَةِ بِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ مِن نَفْيِ الشَّرِيكِ عَلَيْهِمْ، أيِ: اتَّخَذُوا لِأنْفُسِهِمْ مُتَجاوِزِينَ اللَّهَ تَعالى الَّذِي ذِكْرُ بَعْضِ شُئُونِهِ الجَلِيلَةِ مِنِ اخْتِصاصِ مُلْكِ السَّمَواتِ والأرْضِ بِهِ تَعالى وانْتِفاءِ الوَلَدِ والشَّرِيكِ عَنْهُ وخَلْقِ جَمِيعِ الأشْياءِ، وتَقْدِيرِها: أبْدَعَ تَقْدِيرٍ آلِهَةً. . ﴿لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا﴾ أيْ: لا يَقْدِرُونَ عَلى خَلْقِ شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ أصْلًا ﴿وَهم يُخْلَقُونَ﴾ كَسائِرِ المَخْلُوقاتِ، وقِيلَ: لا يَقْدِرُونَ عَلى أنْ يَخْتَلِقُوا شَيْئًا وهم يَخْتَلِقُونَ حَيْثُ تَخْتَلِقُهم عَبَدَتُهم بِالنَّحْتِ والتَّصْوِيرِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ ضَرًّا ولا نَفْعًا﴾ لِبَيانِ ما لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ ما قَبْلَهُ مِن مَراتِبِ عَجْزِهِمْ وضَعْفِهِمْ فَإنَّ بَعْضَ المَخْلُوقِينَ العاجِزِينَ عَنِ الخَلْقِ رُبَّما يَمْلِكُ دَفْعَ الضَّرِّ وجَلْبَ النَّفْعِ في الجُمْلَةِ كالحَيَوانِ، وهَؤُلاءِ لا يَقْدِرُونَ عَلى التَّصَرُّفِ في ضُرٍّ ما لَيَدْفَعُوهُ عَنْ أنْفُسِهِمْ ولا في نَفْعٍ ما حَتّى يَجْلِبُوهُ إلَيْهِمْ فَكَيْفَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنهُما لِغَيْرِهِمْ. وتَقْدِيمُ ذِكْرِ الضُّرِّ لِأنَّ دَفْعَهُ مَعَ كَوْنِهِ أهَمَّ في نَفْسِهِ أوَّلُ مَراتِبِ النَّفْعِ وأقْدَمِها. والتَّنْصِيصُ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا ولا حَياةً ولا نُشُورًا﴾ أيْ: لا يَقْدِرُونَ عَلى التَّصَرُّفِ في شَيْءٍ مِنها بِإماتَةِ الأحْياءِ وإحْياءِ المَوْتى وبَعْثِهِمْ بَعْدَ بَيانِ عَجْزِهِمْ عَمّا هو أهْوَنُ مِن هَذِهِ الأُمُورِ مِن دَفْعِ الضُّرِّ وجَلْبِ النَّفْعِ لِلتَّصْرِيحِ بِعَجْزِهِمْ عَنْ كُلِّ واحِدٍ مِمّا ذُكِرَ عَلى التَّفْصِيلِ والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الإلَهَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ قادِرًا عَلى جَمِيعِ ذَلِكَ، وفِيهِ إيذانٌ بِغايَةِ جَهْلِهِمْ وسَخافَةِ عُقُولِهِمْ كَأنَّهم غَيْرُ عارِفِينَ بِانْتِفاءِ ما نُفِيَ عَنْ آلِهَتِهِمْ مِنَ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ مُفْتَقِرُونَ إلى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب