الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾ حِكايَةٌ لِاحْتِجاجِهِ تَعالى عَلى العَبَدَةِ بِطَرِيقِ تَلْوِينِ الخِطابِ، وصَرْفِهِ عَنِ المَعْبُودِينَ عِنْدَ تَمامِ جَوابِهِمْ وتَوْجِيهِهِ إلى العَبَدَةِ مُبالَغَةٌ في تَقْرِيعِهِمْ وتَبْكِيتِهِمْ عَلى تَقْدِيرِ قَوْلٍ مُرَتَّبٍ عَلى الجَوابِ، أيْ: فَقالَ اللَّهُ تَعالى عِنْدَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَّبُوكُمُ المَعْبُودُونَ أيُّها الكَفَرَةُ ﴿بِما تَقُولُونَ﴾ أيْ: في قَوْلِكم إنَّهم آلِهَةٌ، وقِيلَ: في قَوْلِكم: هَؤُلاءِ أضَلُّونا ويَأْباهُ أنَّ تَكْذِيبَهم في هَذا القَوْلِ لا تَعَلُّقَ لَهُ بِما بَعَدَهُ مِن عَدَمِ اسْتِطاعَتِهِمْ لِلصَّرْفِ والنَّصْرِ أصْلًا، وإنَّما الَّذِي يَسْتَتْبِعُهُ تَكْذِيبُهم في زَعْمِهِمْ أنَّهم آلِهَتُهم وناصِرُوهم، وأيّا ما كانَ فالباءُ بِمَعْنى "فِي"، أوْ هي صِلَةٌ لِلتَّكْذِيبِ عَلى أنَّ الجارَّ والمَجْرُورَ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنَ الضَّمِيرِ المَنصُوبِ، وقُرِئَ بِالياءِ، أيْ: كَذَّبُوكم بِقَوْلِهِمْ: "سُبْحانَكَ ..." الآيَةَ. ﴿فَما تَسْتَطِيعُونَ﴾ أيْ: ما تَمْلِكُونَ ﴿صَرْفًا﴾ أيْ: دَفْعًا لِلْعَذابِ عَنْكم بِوَجْهٍ مِنَ الوَجْهِ كَما يُعْرَفُ عَنْهُ التَّنْكِيرُ، أيْ: لا بِالذّاتِ ولا بِالواسِطَةِ، وقِيلَ: حِيلَةً مِن قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَيَتَصَرَّفُ في أُمُورِهِ، أيْ يَحْتالُ فَهَيّا، وقِيلَ: تَوْبَةً. ﴿وَلا نَصْرًا﴾ أيْ: فَرْدًا مِن أفْرادِ النَّصْرِ لا مِن جِهَةِ أنْفُسِكم ولا مِن جِهَةِ غَيْرِكم، والفاءُ لِتَرْتِيبِ عَدَمِ الِاسْتِطاعَةِ عَلى ما قَبْلَها مِنَ التَّكْذِيبِ، لَكِنْ لا عَلى مَعْنى أنَّهُ لَوْلاهُ لَوُجِدَتِ الِاسْتِطاعَةُ حَقِيقَةً بَلْ في زَعْمِهِمْ حَيْثُ كانُوا يَزْعُمُونَ أنَّهم يَدْفَعُونَ عَنْهُمُ العَذابَ ويَنْصُرُونَهم، وفِيهِ ضَرْبُ تَهَكُّمٍ بِهِمْ. وقُرِئَ: "يَسْتَطِيعُونَ" عَلى صِيغَةِ الغَيْبَةِ، أيْ: ما يَسْتَطِيعُ آلِهَتُكم أنْ يَصْرِفُوا عَنْكُمُ العَذابَ أوْ يَحْتالُوا لَكم ولا يَنْصُرُوكم وتَرَتَّبَ ما بَعْدَ الفاءِ عَلى ما قَبْلَها كَما مَرَّ بَيانُهُ. ﴿وَمَن يَظْلِمْ مِنكُمْ﴾ أيُّها المُكَلَّفُونَ كَدَأْبِ هَؤُلاءِ حَيْثُ رَكِبُوا مَتْنَ المُكابَرَةِ والعِنادِ واسْتَمَرُّوا عَلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ الفَسادِ وتَجاوَزُوا في اللَّجاجِ كُلَّ حَدٍّ مُعْتادٍ ﴿نُذِقْهُ﴾ في الآخِرَةِ ﴿عَذابًا كَبِيرًا﴾ لا يُقادَرُ قَدْرُهُ، وهو عَذابُ النّارِ. وقُرِئَ: "يُذِقْهُ" عَلى أنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وقِيلَ: لِمَصْدَرِ الفِعْلِ الواقِعِ شَرْطًا وتَعْمِيمُ الظُّلْمِ لا يَسْتَلْزِمُ اشْتِراكَ الفاسِقِ لِلْكافِرِ في إذاقَةِ العَذابِ الكَبِيرِ فَإنَّ الشَّرْطَ في اقْتِضاءِ الجَزاءِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ المُزاحِمِ وِفاقًا وهو التَّوْبَةُ والإحْباطُ بِالطّاعَةِ إجْماعًا وبِالعَفْوِ عِنْدَنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب